الاثنين، 8 مايو 2017

كيف بدأت وتطورت علاقته بالطريقة الصالحية ؟


سيــــــرة العلّامـــــــــــة: الشيخ حسن حسين هلولى "الفذ في علمه  والفريد في فهمه "


                                                                              بقلم : أدم شيخ حسن
نتنا ول في هذه الحلقة كيف بدأت علاقة الشيخ حسن هلولى مع الطريقة الصالحية وما الذى جعله يختار دون غيرها من الطرق  الأخرى الموجودة في الساحة  وذلك من خلا ل تسليط الضوء على المحاور التالية :
ا. انضمامه للطريقة:    كان الشيخ ينتمى  الى أهل السنة والجماعة بكل ما يعنى الانتماء من معنى،  كما كان يحث دوما في توصياته  ضرورة الالتزام على منهجهم الذى هو منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ، إلى جانب  درايته التامة في  الاتجاهات الفكرية الحديثة كالسلفية والاخوان المسلمون و الصحوة الاسلامية عموما ، و ظل يتحدث  في مجلسه عن نشأة وتطور تلك الحركات الإصلاحية  والمجددين من العلماء كأمثال الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والإمام حسن البنا مشيدا بدرهم التجديدي  في الحقب التاريخية المختلفة  للأمة الاسلامية .
لقد تأثر الشيخ حسن هلولي رحمه الله رحمة واسعة  بالفكر الصوفي  من خلال اطلاعه الواسع للكتب الفكرية  ودورهم البارز في نشر الدعوة الاسلامية  لاسيما في منطقة القرن الأفريقي فكان  يقول" بعد قراتي المتأنية لسيرة أهل التصوف وعلمائها الأجلاء أمثال الشيخ الجنيدي1 سيد الصوفية والطائفة وكذلك  العابدة الزاهدة المتفانية - رابعة العدوية  -  وابن عطاء  الله السكندري ،2 ودورهم المثالي في السمو بالروح سرعان ما انتابني شعور جارف بأن انتظم في طريقة معينة  أهـ" وهو ما دفعه بقوة أن يبحث عن الطريقة المناسبة  فصارت الصالحية هي الخيار والوجهة المفضلة له لأسباب يجملها الشيخ نفسه بالتالي  :
 1. لأن الصالحية تجمع بين العلم الشرعي والإجازة الصوفية ، مما يعنى انها لا تنطلق من الخرافات في منهجها، وانما من العلوم الشرعية المستسقاة من الكتاب والسنة .
2.   ولأنها تنتمى الى أفذاذ العلماء و فطاحلهم  المشهودين لهم بالصلاح ونشر الدعوة الإسلامية الصحيحة في ربوع العالم الاسلامي كالسيد أحمد بن إدريس أحد أعلام التصوف في العالم الإسلامي (1172 هـ / 1758م - 1253 هـ / 1837م). والسيد : ابراهيم الرشيد الاول والثاني والسيد : محمد صالح السوداني من اشراف أل الدويح .
3.  لأنها  تنتهج نهجا معتدلا لا يمت صلة بالغلو والتطرف.
4. لا نها جمعت بين الثوابت الاسلامية والمبادئ الوطنية  التي قادت حركة التحرير في البلاد .
لاشك أن الشيخ قد قرأ كثيرا في فكر التصوف الإسلامي، بل وتأثر برموز علمائه قبل انضمامه للطريقة وبعدها  ، لكنه لم يتأثر بشخص مثل الشيخ : تاج الدين ابو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم  ابن عطاء الله الإسكندري 1260م /1309م  المشهور بالمتكلم  على لسان الصوفية في زمانه . قرأ كتبه وأحب سلوكه في الزهد وحكمه التي كان يعدّها من الدرر الثمينة و خاصة مقولته  الذهبية " من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة "  اذ كان الشيخ: تاج الدين ابو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم  إبن عطاء الله الإسكندري  رجلا صالحا عالما يتكلم على كرسي  ويحضر ميعاده خلق كثير ، وكان لوعظه تأثير  في القلوب كما كان له ذوق ومعرفة بكلام الصوفية  وأثار السلف  الصالح . وقد اقتدى به الشيخ حسن هلولى في ذلك فكان له مجلس مماثل في بيته يحضره الأخيار  والافاضل من المجتمع و من أماكن شتى يقدم فيه الموعظة  أحيانا وقصص الانبياء و الصحابة  والتابعين  أحيانا اخرى  ويكرم  الحاضرين فيه  بالقهوة  والفطور المتيسر ، ويبدأ  المجلس عادة ما بعد الضحى ليستمر ساعة او ساعتان في كل يوم تقريبا الا إذا حال دون ذلك عذر قاهر ، ليستفيد الحاضرون علوما كثيرة  في مختلف المجالات  ، منهم من يحضر فقط حبا لمجالسة العلم والعلماء  ، ومنهم من بحضر بغية الاستفتاء  يسأل حول مسائل فقهية  فيفتى له،  وكان من دأب الشيخ كذلك  ان يحلّ في المجلس مشاكل مستعصية في المجتمع إضافة الى اصلاح ذات البين والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وقضايا الأحوال الشخصية  .
يجزم الكثير ممن تابعوا حلقات الشيخ العلمية  أو رافقوه في حياته أن قرأته  لفن التصوف الإسلامي كانت  لها الدور الاكبر في صياغته  الفكرية للتوجه  الصوفي الا أن هنالك عوامل عدة  دفعته للانضمام الى الطريقة الصالحية  تحديدا :
العامل الاول : المناخ  : لقد تربى الشيخ في جو أضحت الصالحية هي المسيطرة  في الحلقات العلمية والدعوة  وتولت الريادة في منابر الافتاء  والمراكز التي أشعلت نور الحضارة والتقدم في ربوع الوطن كافة .
 العامل الثاني : إرشادات الشيخ الحاج على سيدوا حاج مومن3 :  فكما اسلفنا الذكر سابقا يعد الشيخ الحاج على سيذوا مومن من أكبر المؤثرين في حياة الشيخ حسن هلولى من جوانب عديدة فكان بالنسبة له شيخا وصديقا مقربا ومربيا،  بل وموجّها له في مواقف كثيرة ، وهو الذى أرشده للتصوف عموما وإلى الطريقة الصالحية خصوصا . وتذكر الروايات الشفهية أنه هو الذى أشار للشيخ حسن هلولي رحمه الله  بأن ينتظم  في الطريقة الصالحية وعبر الشيخ الإمام السيد: عبد الواحد الذى  أثّر بدوره في  حياة الشيخ حسن هلولى في جوانب كثيرة من العلوم الشرعية وفن التصوف  الإسلامي .
العامل الثالث : الاستخارة  : بعد كل هذه العوامل التي ذكرناها لم ينضم الشيخ الى الطريقة مباشرة  ، وانما استخار ربه  إتباعا لهدى النبي صلى الله عليه وسلم  في ذلك  ومن باب  :  ما خاب من استخار ولا ندم من استشار "  جامعا  الاستخارة  والاستشارة  معا في أن واحد ، وبعد ما عزم الأمر متوكلا على ربه أخذ الإجازة من الامام السيد الشيخ  – عبد الواحد سيد محمد جوليد4   "طيب الله ثراه " حتى صار قطبا فذا للطريقة الصالحية تباهى به في المحافل العامة وفى منطقته بشكل خاص . الجدير بالذكر في هذا المقام أنه أي الشيخ حسن هلولى  رحمه الله رحمة واسعة قد التقى  الشيخ ابراهيم الرشيد  الثاني رحمه الله   في مكة المكرمة واخذ منه الاجازة مرة أخرى وهو القطب  الثاني الذى تنتمى اليه الفرقة الصالحية  بعد الامام المؤسس السيد : محمد صالح الدويحى .5
ب: أثره في الطريقة الصالحية
1. لم ينضم الشيخ الى الصالحية حتى لمع نجمه فيها وصار مقربا لقياداتها لاسيما السيد الامام: عبد الواحد السيد : محمد قوليد أشهر زعيم عرفته الصالحية في القطر الصومالي  ، فللشيخ حسن هلولى  منزلة خاصة ومكانه  مرموقة في مصر الكبير مقر الصالحية في الصومال و الواقعة يبن بلدتي جوهر وبلعد  يعد له منزلا خاصا في حال قدومه لاسيما المناسبات  العامة التي  تقام في المقر ، وبعد انتهاء  المناسبات يطلب منه أن يقيم بعدها أياما  وأسابيعا  ليدرّس في الحلقات العلمية  المقامة  في المقر  علما  ان من  يدرّس في تلك الحلقات يشترط له الباع الطويل في العلم الشرعي والحقيقة وتلك شهادة وتزكية للشيخ في ذلك الوقت المبكر  ومن قطب الطريقة السيد عبد الواحد  وإجازة مطلقة منه .6
2.دفاعه عن قضايا الطريقة أمام المحاكم : دأب الشيخ حسن هلولى أن يدافع الصالحية وقضاياها أمام المحاكم  الرسمية، فقد وكلته الطريقة وبصحبته الشيخ : محمد ماحي للدفاع في عدة قضايا وفى أكثر من موقف في عهد الإدارة الايطالية  والحكومات المدنية بدرجة ان لقب بالمحامي الرسمي  للصالحية .
   3.تمسكه بعالمية الصالحية :   تمسك بعالمية الصالحية  بالنواجد  وفى وقت قوبل ذلك بالرفض من قبل كثير من مدعى الصالحية مناصرا بذلك القيادة القطرية  المتمثلة بـالسيد عبد الواحد سيد محمد قوليد والشرعية التي تمثلها  لدى صالحية الأم في مكة المكرمة .7
4.تأليفه فصائد واشعار ألهبت الحماس في الطريقة وشحذت الهمم في الصفوف أضافت بعدا تجديديا لروح الطريقة .
ج .تأسيسه لقرية مصر برى" Misra bare "
لقد استشعر الشيخ حسن رحمه الله بعد أن بذل جهدا في سيبل نشر العلم والمعرفة وفى وقت كان الترحال من منطقة إلى أخرى سيد الموقف بسبب الظروف المحيطة بأهله  وعشيرته الذين  باتوا يبحثون دوما عن مرتع لأنعامهم  ضرورة إيجاد مقر للطريقة يصلح للاستقرار . وبالفعل أسس قرى كثيرة  للجماعة وأقام فيها الطريقة ولأسباب مختلفة رحل أو هاجر منها ، وبعدما كثرت هجراته و عانى كثيرا من هذا الترحال المتكرر مدركا حجم المعاناة التي هو فيها والتي لا تخدم لنشر المعرفة والعلم و ذاع صيته أيضا كشيخ للطريقة الصالحية ، يمنح الإجازة الفقهية وإجازة الطريقة معا ، قرر الشيخ ان يؤسس لطريقته وأتباعه وأولاده مقرا يمثل بالنسبة لهم الاستقرار الأبدي  فصارت قرية - مصرى برى -  بتوفيق من الله  عز وجل اختياره الميمون  لحلقاته العلمية بل ومركزا لطريقته وقد سماها بهذه التسمية قطب الطريقة السيد- عبد الواحد بن الحاج محمد جوليد تيمنا بمصر الصالحية في المركز بولاية شبيلي الوسطى .8    وتجدر الاشارة هنا إلي وجود معاقل أخرى حضارية تابعة لمصرى برى  وهي   جماعة جرسبولى" Garasbuule   "  التي لا تبعد كثيرا  عن  "مصرى برى  "  جغرافيا و جماعة كراشارى  "Karashaare  " وجماعات أخرى كثيرة  في أراضي قومه "جرى Garre / "  في شبيلي السفلى حفظهم الله جميعا  لا يتسع المقام لسردها وكل تلك الطرق تنتمى للشيخ والصالحية .
وعلى الرغم من الإمكانات المادية التي بدأ بها الشيخ حسن رحمه الله  في بدايات جهوده في تأسيس الطريقة، إلا أن الطريقة  ومعاقلها الحضارية تمثل اليوم بعدا حضاريا وتاريخياً مهماً من الناحية الدينية والاقتصادية  في المنطقة لكونها إحدى المنارات العلمية التي يتجه إليها طلاب العلم من كل حدب  وصوب من جهة  والأراضي الزراعية الشاسعة التي تساهم في الانتاج القومي من جهة ثانية اضافة إلى ذلك ما تعكسه من  نموذج  رائع في التأخي بالفكر والأخوة الاسلامية ومرد ذلك ببساطة هو الاخلاص  "ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل  "  وبالفعل نجح  الشيخ أن يؤسس  جماعته  بعد تقوى الله عز وجل على روح المؤاخاة فيما بينهم ملغيا بذلك كل الفوارق الاجتماعية والتقليدية في مجتمعات تسود فيه  القبليّة مستبدلا ذلك بروابط أخوية أساسها الاسلام  وغايتها الرحمن " وعجلت اليك رب لترضى".  
 ظلت جماعة " مصري برى " و بفضل تلك الجهود  المباركة من زعيمها الشيخ حسن هلولي ومساعديه مثل معلم القرآن الكريم في مدرسة التحفيظ للجماعة السيد : محمد عبدله حفظه الله ورعاه مختلفة تماماً عن ذلك المجتمع القبلي الذي يحيط بها وكأنها بقعة خضراء في أرض فلاة  يلتزم مجتمعها  التعاليم الاسلامية الصارمة التي تلزم على الفر د الانضباط  في الأخلاق الحميدة  والعمل الجاد  والتعاون الاخوي المشترك ، ولم يقف الشيخ عند هذ الحد ولكنه وفر كافة أسباب الولاء للجماعة ومبادئها  ليحل ذلك محل الولاء القبلي، فقام بتوفير الأرض الزراعية لأعضاء الجماعة و تسهيل الزواج لأفراد جماعته بتكاليف بسيطة يقدر عليها كل أحد بجانب إزالة كل الفوارق  الاجتماعية  ومساندة الضعفاء والفقراء والايتام  والكثير منهم  كانوا  يقولو ن أنهم لا يشعرون المساواة إلا بحضوره  وبأفكاره  المنفتحة.
ومن المفارقات : أن كثير من الحركات الاسلامية المعاصرة في الصومال أدعت  المؤاخاة الفكرية في حين تمارس القبلية في دهاليز التنظيمات  واستطاعت الطريقة الصالحية  وفى بداية تشكلها أن تلزم  أعضائها بالترابط الأخوي المبنى على الفكر فقط فيسأل احدهم عن فبيلته فيكون رده المباشر: أنا من جماعة فلانة  فقبيلتي هي الصالحية والاسلام أبى وأمي  مما يوكد إخلاصهم في التربية والولاء التنظيمي  و لم يذكر طيلة تاريخ الجماعة أي تفلت  من فبيل الخروج من عباءة التنظيم إلى سند القبيلة  كما حدث و يحدث داخل التنظيمات الاسلامية المعاصرة .
اهم المصادر  والمراجع :
1. أحب الشيخ من مشايخ التصوف ممن حرصوا على السنة وإتباع السلف  وصاروا على العمل الصالح ما يحمدون عليه  خلافا للمتأخرين من الصوفية الذين حرّفوا وبدّلوا .
2. فقيه ما لكى وصوفي شاذلي الطريقة ، وهنالك من سماه المتكلم  على لسان الصوفية في زمانه .
3. علم من أعلام الدعوة  في جنوب الصومال،  عرف بالحكمة والعلم والذكاء ، تبحر في العلوم الشرعية واللغة العربية وفكر التصوف الإسلامي ، وكثيرا ما كان يفتى للصالحية  في المركز  و في القطر .
4.  يعتبر السيد عبد الواحد بن السيد محمد جوليد1293هــــ. / 1369هـــ   ـ أهم زعيم  عرفته الصالحية في الصومال ليس  فقط لأنه أول من نال إجازة الطريقة الصالحية من السيد محمد صالح الرشيدي الدويحى في مكة المكرمة بل لا نه عالم دين فذ وسياسي محنك الواعي بالساسة الشرعية و لديه خبرة دولية ودراسة علمية خارجية ووعى في الواقع الذى ينتمى اليه. ورغم كثرة القيادات القطرية  للصالحية الا انها لم تعدوا كونها مجرد مربين روحيين أما  السيد عبد الواحد فقد وصف حتى لدى خصومه بالقائد الكاريزما الذى أستطاع أن يتعامل مع كل المتناقضات السياسة في عصره  ، تعامل مع الإدارة الايطالية  بكل حنكة دون أن يمتثل بأوامرهم لحظة ، مسخرا العلاقة كلها لصالح الدعوة ، وأستحوذ على قلوب الناس دون أن يغزوا على أحد وذلك بأساليبه المبدعة والمبنية بـــ " أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة "  فنشر الطريقة بعلمه  وحكمته  الى أن شاعت بين الناس وصارت الطريقة المحببة للناس اجمعين.
5. نجل الشيخ :  الأستاذ عبد الواحد حاج حسن  :  متخصص في الدراسات الشرعية والقانونية
6.طه محمد حسن . ناشط صالحي .
7 . منح السيد : محمد صالح الدويحي إمام الصالحية في  مكة المكرمة الوكالة للسيد محمد قوليد في القطر الصومالي ، وأستخلف بعده ابنه العلامة السيد عبد الواحد سيد محمد قوليد الذى نشر الطريقة وأبدع في قيادتها ولكن ظهرت جماعات ادعت الصالحية  دون الالتزام بالتوجهات العامة للقيادة القطرية . وهنا أبلى الشيخ حسن هلول بلاء حسنا في دعم القيادة المعتمدة في المركز إيمانا منه بعالمية الرسالة في منهج الصالحية .
8.وتقع "مصرى برى " بين منطقة أوطيغلى و أفجوى ، وهى منطقة فرعية من الأخيرة إذ تبعد عنها28 كيلوا مترا فقط ، و تتمتع بمناطق زراعية على ضفاف النهر، يعتمد أهلها الزراعة  كمصدر أساسي  للحياة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق