الأحد، 8 يناير 2017

سيــــــرة العلّامـة الشيخ حسن حسين هلول "الفذ في علمه والفريد في فهمه " الحلقة "4" ولادته ونشأته:

الحلقة "4" ولادته ونشأته:
بقلم : أدم شيخ حسن.
ا. ولادته: ولد الشيخ  حسن حسين هلولى في عام1913 م – وعلى الأرجح – في قرية صغيرة تسمى "مارسيب " Maarsiib"تتبع محلّيّة "أفجوى" Afgooy" " من محافظة شبيلي السفلى."1"
بمحاذاة بلدية فرسولي الواقعة شمال مدينة قريولي. حيث انتقل إليها والده – كما أسلفنا الذكر – في إحدى هجراته في المنطقة بعد أن أقام فترات متباعدة في كل من قريتي وانبتى"Waanbate" و "  بولوفلاى " Buulo fulaay  ". والأولى  قرية صغيرة تابعة لمحافظة ونلوين Wenle weyn، أيضاً، وقد صار الشيخ قاضيا فيها في فترة من الفترات.
وقرية ماريسيب ""Maarsiib يقطنها حاليًّا كل من قبيلتي " جرى " و " جالجعل " . ولوقوعها على الخط الفاصل بين محافظتي ونلوين وأفجوى اختلفت تبعيتها بين هاتين المحافظتين عند الإدارات الحكوميّة التي مرت بالمنطقة، ولكنّ الذي استقرّ في أذهان السكّان أنّ قريتهم تابعة لإدارة محافظة أفجوى.
ويقترن اسم قرية "مارسيب " بأسماء شعرائها وعلمائها الكبار الذين عرفت بهم، وكثيرا ما ورد اسمها في الشعر المحلى باللغة الصومالية بشقّيه "جبى وجيرارgabey " geeraar ""
ومن حيث النشاط البشري يعتمد أهل قرية مارسيب اقتصاديا على الرعي في الغالب الأعم ، إلى جانب  الزراعة التي تعتمد هي الأخرى  على الأمطار الموسمية .
كان العلاّمة الشيخ حسن حسين هلولى ثمرة زواج ميمون؛ فوالده تزوج السيدة حبيبة معلم طايو والدة الشيخ في منطقة – أيلووانبتى " "Eeloow Wanbate " حيث كان يقطنها آل الكالويشيين، وهم إحدى أفخاذ فرع قرانيو من قبيلة جرى"Qoraanyoow garre" بعد أن أعجب بعراقة أسرتها في العلم والأخلاق، إذ كان والدها حافظا للقرآن الكريم مسخراً كل وقته وجهده لتعليم الناس له. كما أعجبت الأسرة بعلم وخلق الشيخ، وزاد من إعجابهم به أنّه من سلالة ذات شرف ومكانة، عريقة في العلم الشرعي، لذلك سرعان ما قوبلت خطبته لكريمتهم بالترحيب والموافقة، وقد أنجبت له عددا من الأبناء والبنات من بينهم حسن حسين المترجم له، غير أن والده قد توفى وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره ، فصار يتيما، وهو في أمس الحاجة إلي  رعاية والده"2".
ب . ِ نشأته: نشأ وترعرع الشيخ حسن هلولي – رحمه الله – في صغره بهذه المنطقة المذكورة وفي جو هادئ ، وتولت أمر رعايته والدته التي قامت بتربيته خير قيام، وسدّت فراغ غياب والده بحيث لم يغيّر ذلك من نشأة الطفل اليتيم في شيء، فتربى كما يتربى غيره من الأطفال في المنطقة، وعوضه الله من يتمه كفالة والدته التي فاقت كل التصورات فيما أبدت من جهد ومثابرة في تربية أبنائها. و يمكن القول: أن فضل نِشأته وتربيته يعود أولا وأخيرا إلى والدته السيدة الفاضلة حبيبة معلم طايو، فهي التي تعهّدته بالتربية والتعليم، بعثته إلى الخلوة " الدكسى "3"  وهو صغير  ليتعلم القرآن الكريم، ترش عليه الماء في الفجر كي توقظه للصلاة وتشحذ همّته لحضور حلقات التلاوة، وهى التي بعثته مرّة أخرى بعد أن حفظ القرآن الكريم إلى المشائخ في أماكن بعيدة لطلب العلم موفرة له كل احتياجاته المادّية والمعنوية رغم الظروف القاسية للعائلة في الجانب المادي، من جهة أنهم لم يرثوا حظا مذكورا ولا نصيبا مقدّرا من والدهم، واستطاعت بعزمها وإخلاصها وتوكّلها على الله أن تدير بكل جدارة أمور أولادها وتعليمهم كما يتعلم غيرهم أو أفضل، وكثيرا ما كانت تقول له: إن التركة الحقيقة التي ترثها من والدك هي الدين والعلم فتمسك بهما واعضض عليهما بالنواجد. "4"
 ومن المواقف  الرائعة المروية في سياق جهد هذه السيدة المثابرة  في تربية ابنها أن أعطت  ناقتها الحلوب الأثيرة لديها لخاله الحاج على معلم طايو الذى كان ينوى السفر لأداء فريضة الحج وكان ينقصه بعض المال، فأعطته هذه الناقة ليبيعها ويستكمل بثمنها نقص المال اللازم لديه لسفره، حرصاً منها على أن يدعو لابنها بالخير والصلاح في تلك المشاعر المقدسة، كما طلبت منه ذلك، واستجاب هو الآخر له؛ حيث دعا لابن اخته وهو في الحرم أن يسهل الله عليه تعلم العلم النافع، وكانت دعوة مستجابة ظهر أثرها على الولد فيما بعد"5"
وثمة مواقف تربوية رائعة تحسب للسيدة الفاضلة، منها أن كانت مزرعتهم – أى مزرعة أسرة الشيخ حسن هلولى مجاورة لمزرعة معلمه للقرآن" محمد وليس " 6 "فكانت تقول له:  "لا تمرّ على مزرعة معلّمك وهو يحرث إلا وتحرث معه، لأنه بمثابة والدك وتركه في العمل لوحده عقوق ". وقد استقرّ هذا الموقف التربوي في نفس الشيخ حسن، الذي ظلّ يلتزم بذلك حتى بعدما كبر، فقد صادف أن حرث ذات مرّة مزعة معلمه "محمد المشهور بوليس " دون درايته في أحد الفصول الماطرة، لأن المعلم كان مسافرا خارج منطقة سكنه وهطلت الأمطار في غيابه، فلما وصل وجد مزرعته قد تم حرثها"7" وبذر البذور فيها، بل وأنبتت نباتا حسنا، فخامره  الشك بأن  شخصا ما سطا على مزعته وأستزرعها لدوافع شرّيرة، فإذا تلميذه البارّ حسن بن الشيخ حسين هلولى يبشره بأنه الفاعل لذلك التماساً للخير والبركة ممن علّمه القرآن الكريم. ولما علم المعلم ذلك قال: إن هذا السلوك لن يكون أبدا إلا من عمل ابن بار مثل حسن هلولى.
ويحكى عنه كذلك أن معلمه للقرآن  كان في حاجة، وقد عم القحط والجفاف المنطقة، وحاول أن يستلف طعاماً من عدة أشخاص، إلا أنهم لم يمكنهم تلبية طلبه، فوصل الخبر للشيخ حسن، فما كان منه إلاّ أن أرسل إلى معلمه – على جناح السرعة – ناقة محمّلة بكمّية كبيرة من المؤن الغذائية والملابس، ففرج عن المعلم بذلك، والذي دعا له بالصلاح والتقوى والعلم والنور . "8"
                ثمة قصة أخرى مهمة تظهر حزم والدة الشيخ حسن، وتتضمن تربية ابنها على المنافسة حيث ينافس الجميع ولا يرضى بالعجز والقصور ليتمه، أو لفقره.  فوالدته الفاضلة السيدة حبيبة معلم  " ضحت لتربيته كثيرا فربته أحسن تربية، ولم يشعر باليتم قطّ، فحينما بعثته لطلب العلم الشرعي في المدن والمراكز العلمية كانت تدبر له ما يحتاج إليه من مال رغم ضيق اليد وفقدان العائل، وحتى المعين من الإخوة والأخوات. والقصّة هي أنّه في إحدى المرّات طلب شيخه محمد أيلايو "9" من الطلاب دعما يحجّ به فاستثناه لأنه يتيم غير قادر حتى على إنفاق نفسه، وفرض عليه خمس روبيات "10" فقط مراعاة لخاطره ، بينما فرض على كل واحد من زملائه الآخرين ثلاثين روبية. وعندما أخبر الشيخ حسن هلولى ذلك والدته فاجأته بأن دفعت إليه ثلاثين روبية  قائلة له " إنّك لا تذهب إلى الشيخ أقل مما يذهب إليه الآخرون ، وسلم المبلغ المطلوب كاملا لشيخه ،  في حين عجز كثير ممن ظن الشيخ أنهم ميسورون، وكان ذلك – بعد فضل الله – بقوّة إرادة والدته وإخلاصها. وقد دعا له الشيخ بالعلم النافع والبركة  في العمر، وهو ما تنعم به في حياته،  فسهل عليه بعد ذلك  كلّ أمره وفاق أقرانه من الطلاب أينما حلّ . ومن هنا يظهر بصورة  جلية كم كانت  والدته لبيقة ذات تدبير لطيف، وموجهة تربويّة ومجتهدة  لتؤكد لنا مرة أخرى حقيقة المقولة  المشهورة " أن وراء كل عظيم امرأة "
ويمكن أن نجمل نشأة الشيخ  حسن هلولى وتربيته في عدة نقاط :
النقطة الأولى : أنه فقد والده وهو صغير لم يتجاوز التاسعة من عمره ، وفي مرحلة الطفولة التي كان فيها في أمس الحاجة إلى رعاية ابوية توجهه وتذلل له الصعاب في الحياة اليومية وتعينه في التعليم والتربية.
النقطة الثانية : عوضه الله من فقد الوالد كفالة والدته التي بذلت النفيس والغالي في تربيته وتعليمه.
النقطة الثالثة : لم يحتج ولم يتلقّ هو ولا والدته أيّ مساعدة من الأعمام  ولا من الإخوة والأخوات.
النقطة الرابعة : نشأ في بيئة رعوية قاسية، عانى فيها كثيرا، كما تربى في كنف أسرة فقيرة ليس لها معيل سوى الأم التي ناضلت من أجل لقمة العيش وتربية الأولاد وتعليمهم.
المصادر والمراجع :
"1"بيانات جواز الشيخ . كان الشيخ من أوائل من أخذوا بطاقة الهوية في منطقة أوطيغلى لدى الإدارة الايطالية الحاكمة  في الصومال آنذاك .
"2" مقابلة مع نجل الشيخ  الأستاذ عبد الواحد حاج حسن : سياسي  ومتخصص في الدراسات الشرعية والقانونية .
"3" الدكسىي عبارة عن مرحلة دراسية خارجة عن الرقابة المباشرة للدولة في تنفيذ الخطة الاجمالية للتعليم، وفى الغالب يلحق الصبى بالمرحلة الابتدائية في الدراسة النظامية الحكومية أو الخاصة بعد تعلم القرآن وحفظه.
"4" نجل الشيخ"  الشيخ أحمد شيخ حسن "فقيه وداعية .
"5" محمد نور شيخ عمر مهتم وقصاص اجتماعي .
"6" معلم محمد المشهور بوليس هو من علم الشيخ القران الكريم من قبيلة "كرى نسبا فخذ دول بن توف.
"7"  طـبـيـعَـة الحقول الزراعية تتطلب تكرارُ حَرثِ الأرض لتنظيفها من الحشائش الأخرى، ولتكون صالحة لإلقاء البذور فيها.
"8" السيد : طه محمد حسن . ناشط في الطريقة الصالحية القوليدية.
"9" الشيخ محمد أيلايو عالم و فقيه بارع ينتسب إلى قبيلة أيلاي الرحوينيّة.  كان يدرّس في مسجد عيل يروا، وخرّج كثيراً من طلاّب العلم  في مجال الفقه،  اشتهر بعضهم  في مناطق مختلفة بعد وفاته.

"10"الروبية عملة هندية كانت مستخدمة في الصومال في فترة من الفترات كما استخدمت الليرة التركية في الصومال أثناء الحكم العثماني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق