الشيخ حسن هلولى
تتمحور هذه الحلقة في عدة محاور رئيسية: رحلات الشيخ في
الدا خل والخارج وموهبته اللغوية وذلك
بعرض قصيدة من قصائده الثمينة ، كما سنعرج قليلا
على مؤلفاته وتطلعاته في المشاركة السياسية علما أن هذه الحلقة خاتمة
الحلقات المتسلسلة التي كتبناها في سيرة العلّامة الشيخ حسن هلولى "رحمه الله
رحمة واسعة" .
1.رحلاته : قام الشيخ رحلات عديدة داخل
الوطن وخارجه تعددت أغراضها ، منها ماهي دعوية
و علمية وأخرى لأداء شعيرتي الحج والعمرة وكذا زيارة العلماء والتواصل معهم ، وكل
رحلاته لم تخلو من تلك الأهداف السامية سواء كانت داخلية أو خارجية .
ا. رحلاته الى الخارج: تمثلت معظمها
السفر إلى بيت الله الحرام ، وكعادة العلماء في القطر الصومالي كان الشيخ كثير
الترحال الى بيت الله الحرام زائرا للحرمين بغية أداء فريضة الحج من ناحية ، و الاحتكاك
مع اهل العلم في الحرم والأخذ منهم مباشرة كالسيد ابراهيم الرشيد الثاني والتلاميذ
الذين تأثروا بالفكر الإدريسي الاصلاحي من ناحية أخرى . ذهب الشيخ الى الحج عدة
مرات تارة بالسفينة وبالطائرة تارات إذ كان عضوا فاعلا في بعثة الحج المنظمة من
قبل قادة الصالحية في كل عام متمثلة بمبادرة السيد : عبد الواحد سيد محمد قوليد- قطب
الصالحية وفخرها في الأقطار والأمصار - في تنظيم حملات الحج والعمرة وتوعية الناس
باللوازم الدينية ومساعدتهم بالموجّهين المتخصصين في الأمور الشرعية .
كذلك شملت رحلته الى خارج الصومال دولة كينيا
المجاورة في عام 1976م. بعد ما توفى أخوه
السيد : الحاج عبدى شيخ حسن هلول في منطقة
عيل واق" "Ceel Waaq . وهدف الزيارة كانت فقط
للتعزية ومواساة أهله هنالك ، إلا ان الشيخ قرر أن يسجل زيارة دعوية إلى العاصمة
الكينية " نيروبى " بعيد أداء المهمة ليطمئن على أمور الجالية الصومالية
هناك ، يقدم لهم محاضرات تشحذ هممهم كما
كان يفعلها الدعاة والقائمين في أمر
الجماعة أي جماعة الصالحية أنداك ، وكان برفقته في تلك الزيارة كل من الشيخ : محمد سوحى والسيد : محمد نور عثمان
فحالت السلطات الكينية بينهم وبين ما اشتهت أنفسهم متذرعة بالحصول على تأشيرة الدخول والتي لم تعد سهلة الحصول
للصوماليين بسبب الصراع الدائر في منطقة شمال كينيا وصار
القرار العودة الى الصومال برا ، خاصة بعد أن لقى الشيخ في الطريق ابن أخيه
السيد أحمد حاج عبدى وثلة من زملائه والذين كانوا أعضاء فاعلين في الجبهة الصومالية
الساعية الى تحرير منطقة أنفدى في شمال
شرق كينيا ، ونصيحتهم بالمغادرة فورا لأن
التصادمات قد تبدأ في أي لحظة والاحتدام وارد وربما يؤثر سلبا على حركة
النقل والسير في الحدود .
الجدير بالذكر في هذا المضمار: أن الشيخ قد تحصّل
على دعوة من قبل قادة الصالحية في مقاطعة " مانطيرا " Mandheera " أثناء زيارته للمنطقة بيد أنه لم يستطع
التلبية ولنفس الأسباب التي اشرنا اليها . ويبدوا أنه كان معظما ومقدرا في أي
بقعة وجدت فيها الصالحية في منطقة القرن
الأفريقي ."1"
والحاقا
لزياراته الخارجية فقد عزم زيارة العواصم الإسلامية المؤثرة كالقاهرة وبغداد ودمشق
ولكنه لم يوفق وما كل ما يتمنى المرء يدرك ... تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن .
ب . رحلاته في الداخل: لا يمكن حصر
رحلاته الداخلية فقد زار معظم المنابر العلمية ومنابع الحضارة في الصومال لاسيما جنوبها
، وأضحى مرتبطا بعلماء بارطيرى وبراوة ومقديشو بقدر ارتباطه الوجداني والروحي
بعلماء الصالحية وقادتها في " مصر الكبير" الواقعة في إقليم شبيلي
الوسطى، وامتدت كذلك رحلاته إلى محافظة "باى""Bay حيث كان يزور ويتواصل مع زميله الشيخ : محمد نور قروين "Garwayne" إمام
الصالحية في قرية مودى مودى "Moode moode" والمناطق المجاورة لها ، وجماعة بلد
رحمة في ولاية هيران وسائر الولايات التي خصها بزيارة عابرة أو درس فيها ودرّس كما
أسلفنا الذكر .
2. مهارته في اللغة العربية وشعره: أقر له كل من
جالسه ولديه أدنى حس لتذوق اللغة العربية أنه أديب ماهر وشاعر مطبوع يملك البلاغة
حين يوصف مشهدا معينا ولا تصعب عليه حل الألفاظ وإن كانت من الركاكة في درجة ولعل
مرد ذلك اطلاعه الواسع ومجالسته المفرطة مع الكتب إضافة إلى معاملة بعض زملائه من العلماء اليمنيين والذين يتحدثون
العربية كلغة أم ، بل وفوق ذلك كله أنه تتلمذ على من أطلق عليه معجزة القرن
المنصرم في علمه وفهمه في أسرار اللغة العربية ودهاليزها السيد : عبد الواحد سيد
محمد قوليد فرحمة ربى تغشاهما الى يوم الدين.
وبحكم اتقانه
الدقيق للغة العربية ومشتقاتها كان يقرض الشعر بالعربية ولديه قصائد كثيرة الجزء الأكبر
منها مدح للرسول صلى الله عليه وسلم و العلماء الاجلاء من الطريقة الصالحية ومعظم شعره
يتميز بالمفردات المعبرة والسلاسة اللغوية . ولاشك أن ذخيرته اللغوية الفائقة لعبت
دورا مهما في صياغة شعره ، كما لعبت سعته للمحفوظات
الاديبة أيضا دورا هاما إذ كان يحفظ دواوين
كاملة عن ظهر قلب كديوان الامام الشافعي وديوان الامام على كرم الله وجهه ... الخ
ثمة قصيدة للشيخ وصفت من أروع قصائده التي مدحها وأهداها
لروح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقد حرص الباحث على توفيرها أيما حرص
ولكنه لم يوفق في العثور عليها وربما فد تتوفر لاحقا في الطبعة الثانية ان شاء
الله إن لم تضيع كليا . وهذه إحدى قصائده التي مدح بها زميله وحبيبه امام الصالحية
عندئذ السيد : صالح ابن السيد حسن رحمه الله رحمة واسعة وجعل الجنة مثواه .
سلام على من كان نور الهداية امام الورى صالح وزين الطريقة
على سلك على أهل الصدق كان ملازما ولاسيما أجداده بالحقيقة
سلالة أهل الفضل سيد خلقه سريرته سمت بوصف الشريعة
حبيب لأهل الله كنز السرائر يداعى الى إخوانه بالحقيقة
وقد فاق اهل الفضل في كل حالة كريم حباه الله أرفع رتبة
فيا ايها الأحباب قوموا لنحوه لقد نال كل الحسن من كل خصلة
هو السيد المحمود في كل سيرة فيارب اسكنه بدار الوصيلة
ودود ولى الله وارث جده ويكفيك في هذا وداد
الأحبة
حماية رب العرش حفت شؤونه كذا كل من حباه من غير مرية
امام صفت اخلاقه وسريرة
وساد على
الأسياد في كل بقعة
حفيد لعبد الواحد حوى المفاخر وصدقه أهل الإخلاص بنية
هو الفاضل الموصوف بالعلم والهدى عليه سلام الله في كل لمحة
وأعنى بذاك ابن حسن صفى الله هو العارف المعروف في كل حالة
زهيد عن الدنيا وزاد ثنائه حليم حميد حاز سر الولاية
إخوانك ذو الأشواق مشهد شعره يسمى بحسن جاء قصد الإرادة
أصلى على خير العباد محمد هو السيد السادات أهل الفضيلة
عليه سلام الله ما لاح بارق وأل واصحاب النجوم الهداية
صلاة يفوح المسك قد فاق طيبها وتغشى جميع العالمين برحمة . "2"
الشيخ
: حسن حسين هلولى
3. مؤلفاته: لم يؤلف الشيخ مؤلفات ضخمة و قاعدته الذهبية في هذا الباب "تأليف الرجال أولى من تأليف
الكتب " فقد سخر كل طاقاته نحو
الاستثمار في العنصر البشرى وهو أهم استثمار عرفته البشرية على مدار
التاريخ ، ويبدو أن الشيخ قد بات مدركا في
أهمية ذلك وفي وقت مبكر فوجّه كل الطاقات نحو الإبداع والتعليم وتنمية
المهارات والجمع بين مقتضيات الشريعة ومتطلبات الحياة ونجح بذلك أيما نجاح وبتوفيق
من الله ، فسبحان من قال لنبيه الكريم" وألّف بين قلوبهم لوأنفقت ما في الأرض
جميعا ما اّلفت بين قلوبهم ولكن الله الّف
بينهم إنه عزيز حكيم " الآية 63 من سورة الانفال . والمعروف أن إدارة البشر
أصعب مهمة يتولاها الإنسان .
أستطاع الشيخ أن يدير الجماعة بجدارة تامة وأفرادها من قبائل شتى لا تجمعهم
رابطة النسب والدم بل الكل ينصهر في بوتقة الأخوة في الله وتلك عناية الهية منحها
من شاء من عباده فهو القادر على كل شيء وثم بعد ذلك مرونته في التعامل مع الناس
والصبر على أذاهم لطالما القصد ابتغاء مرضاة الله فهو القائل سبحانه وتعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضو من حولك فاعف
عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب
المتوكلين " الأية 159 من سورة أل عمران .
ثمة من اهتم التأليف فقط إلى
ان نسب له المجلدات والكتب دون أن يحمل على عاتقه أي مسؤولية أخرى كتعليم الطلاب
وترشيد العامة وتوجيه المجتمع نحو الفضيلة ومحارية المنكر والدعوة الى الله ولكن
الشيخ لم يفضل إطلاقا ان يكون من ذاك
الصنف كما كان يقول.
للشيخ رسائل لم تطبع بعد أو كانت معظمها مخطوطة بيده واليكم الجدول أدناه :
الرقم
|
العنوان
|
الصفحات
|
1
|
لفظ الدعاء ومدلولاته المختلفة في
القرأن الكريم
|
24
|
2
|
حكم اطالة الصلاة " وان فيكم
لمنفرين "
|
33
|
3
|
الصواب في التفاسير
|
27
|
والحاقا لجهد
الشيخ في هذا الإطار بدأ في أخر حياته تسجيل أشرطة كاسيت لتفسير القران الكريم
كاملا كي تستفيد منه الأجيال فبما
بعده الا أنه لم يوفق بسبب أمراض أثرت في
نشاطه الصحي وكان يقول دوما : " يعد التفسير هو الأهم في الفهم الصحيح للشريعة
الإسلامية ، وقد كثر المفسرون في زمننا
هذا علما أن بعض التيارات توظف التفاسير خدمة لأجنداتها وأيدولوجيتها التي لا
تتطابق مع روح الاسلام ، ولذلك من الأهمية بمقام التركيز على تفسير القرآن وفق ما نشره السلف الصالح ، اخشى ما أخشى ان يتأثر
الجيل القادم بالتفاسير المخلة من اشباه العلماء " . "3"
4. تطلعاته للمشاركة في السياسة: كانت لدى الشيخ محاولات عديدة في المشاركة
السياسة وصلت درجة العزم ولكنه لم يشاركها فعليا تتعدد الاسباب المانعة ولكن الأهم
تبقى أن قال له زميله ورفيق دربه في العلم والمعرفة السيخ العالم الفاضل : الحاج عمروا
شيخ محمد اسحق "4": " ياشيخ حسن إن الله قد أختار لك اشرف مهنة في
الكون وهى الدعوة الى الله فهل تختار غيرها " ونصحه بعدم المشاركة خوفا
من ان يضيع جهده في ادارات لا جدوى لها " . ومن ذلك اليوم تخلي الشيخ عن قراره
بالمشاركة مع أنه قد بدأ تعلم الايطالية استعدادا للمساهمة في ذلك الاتجاه.
وفاته :توفى الشيخ في ليلة الأربعاء في محافظة
افجوى. 19 رجب 1418هـ. الموافق 19 نوفمبر 1997م.
أهم المصادر والمراجع :
1. الشيخ محمد سوحى .
2. فارح حاج مودى محمود: الفرائد الجوهرية في الطريقة الرشيدية ص26. ط الثانية
.
3. محمد شيخ حسن نجل الشيخ .
2. الحاج عمروا محمد
اسحق المشهور بــ" Aaw Xaaji omuroow" كان
عالما وفقيها ممن خصهم الله بالفهم العميق للشريعة الاسلامية في القطر الصومالي ،
يعد من أقطاب الصالحية رغم تأثره بالتوجه السلفي في أخر حياته عند ما التقى مع
العلّامة بن باز رحمه الله . ربطته بالشيخ
حسن هلولى علاقات متينة بدأت في عمر الدراسة ومحاضر الصالحية وامتدت لأكثر من منبر
ومقام . فالأول اكبر سنا من الثاني ولكن جمعتهم المحبة والاخاء والعلاقة التي أساسها
الود والعلم والاحترام المتبادل ، ويعد الشيخ / الحاج عمرو من أفاضل العلماء في القطر
الصومالي .