الشيخ حسن هلولى
ا. الانفتاح والاعتدال:
كان الشيخ حسن هلولى منفتحا في مواقفه ومعتدلا في آرائه بدرجة قد تجده مرنا
ومتفهّما في كل الحالات، إذا رأى رايا معينا طرحه من دون تعصب ، واذا خالفه أحد في
الطرح او الرأي وإن كان اصغرهم احترم رأيه ، أحب الوسطية والاعتدال في الاسلام امتثالا
لمفهوم الآية الكريمة "وكذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا . الخ .الآية (143) من
سورة البقرة ، مؤمنا ومتيقنا بأن الاسلام دين توسّط واعتدال، لا غلو فيه ولا جفاء،
ولا إفراط ولا تفريط ، فسلوكه وأعماله
العلمية والدعوية بل ومواقفه كله كرّست بالفعل هذه المفاهيم الوسطية والمعتدلة. لم
يكن متعصبا لمذهب معين ، كان شافعيا حتى النخاع يمكن ان تقول ومع ذلك عادة ما ظل يراعى
المصالح في افتائه لعامة الناس مع التز امه الكامل للنصوص القرآنية والسنة ، فيرجح
المصالح عند الضرورة ، معتمدا أحيانا على المذاهب الاربعة كلها لا يتقيد بمذهب واحد عندما تفتضي الضرورة. تراه نصوصي في معظم الحالات ، ومتى
ما طرأ في مجلسه جديد كحدوث شقاق بين زوجين او خلاف في أمور مالية وخصومات لم يعجّل في البت
فيها ، وانما في اصلاح ذات البين اولا ، فاذا تعسر ذلك لجأ الى رأى الشرع في الفصل
لاحقا.
ومن انفتاحه كذلك
إ اعتماد مبدأ الشورى 1في إدارة جماعته وإدارة شئون الناس في المنطقة عموما ، يصغى
لكل الاقتراحات في المسألة المعينة ولا يتخذ قرار بمفرده الا ما أجمع عليه أهل
الحل والعقد في الجماعة ، كما كان من سلوكه كذلك أنه لا يميل إلي أسلوب الضرب في تربية
الاولاد بل كان يركز النصح والتوجيه في تربية
أولاده وسائر اولاد الاخرين من جماعته. ولديه قاعدة هامة في هذا الإطار كان يرددها
دوما في شأن تربية الاولاد وهى أن يقسم عمر
الطفل إلى ثلاث مراحل وكل مرحلة قدرها سبعة أعوام ، المرحلة الاولى يتعامل الطفل وكانه
سيد العائلة يلبي كل رغباته فورا ومرد ذلك انه صغير وعاجز شأنه شأن العجوز المسن الذى
يحتاج إلى رعاية من القادرين ، أما المرحلة الثانية فيتعامل مع الطفل بالتوجيه ونوعا
ما صارمة يؤمر بإقامة الصلاة وتوقير الكبير وكل الفضائل والخصال الحميدة التي ينبغي
أن يتحلى كل من لديه الفطرة السليمة . المرحلة الثالثة تجعله أي الطفل صديقا مقربا
لك يستفيد من خلال ما تعكس له من سلوك بناء و قيم فاضلة وتجمعكما المشورة في كل الامور
الى أن يبلغ الواحد والعشرون وهى نهاية المرحلة الأخيرة ، واذا بلغها ولم يلتزم بالسلوك
السوى اذا إما انه منحرف لا يستقيم أمره أو غبى لا يستوعب ، وكلاهما خصلتان مذمومتان2
.
ظل الشيخ طيلة حياته منفتحا على كل الفئات خاصة فئة
العلماء حتى وان اختلف معهم في المشارب
والتوجه اذ كان يدعوهم الى الانفتاح الثقافي والفكري والتواصل مع الأخر بالحوار
والمجادلة بالتي هي احسن وخاصة بين علماء الطرق الصوفية كي لا يتعصب كل أحد لطريقة
فهمه الذى قد يحتمل الصواب والخطأ، مما أثر ايجابا على علاقاته مع محيط العلماء في
الصومال .
مساهمته في مجال الافتاء: وعلى الرغم
من أن الافتاء قديم في الصومال كقدم الاسلام نفسه إلا انه لم يكن منظما في معظم الحالات لاسيما
في قترة الاستعمار حيث فضل المستعمر القاضي التابع لنظمه ولوائحه مبعدا العلماء المصلحين من مراكز القرار. والشيخ ولد أصلا في فترة بلغت من كراهية الاستعمار مبلغا في الصومال وعاصر مع الكفاح المسلح ضد
الاستعمار الايطالي والبريطاني في جنوب
الصومال وكان للعلماء نصيب الاسد في إدارة المعارك ضد المحتل لاسيما الطريقة
الصالحية المحسوبة من اعظم التيارات الدينية الوطنية في القرن الأفريقي لدورها
المتميز في حركة التحرر الوطني ، لذلك كان طبيعيا أن لا تعجبه شهادات الإفتاء والقضاء لممنوحة من قبل المستعمر وإدارته ولم يسعى أبدا الى نيل ثقتهم فضلا عن تقديم اوراق اعتماد لديهم
كقاضي شرعي . كان يكفيه فقط التركيات الممنوحة له من قبل العلماء وأئمة الصالحية في
مكة المكرمة متمثلة بالسيد ابراهيم الرشيد الثاني وفى قيادة الصومال متمثلة بالعلّامة
الإمام السيد : عبد الواحد سيد محمد جوليد رحمه الله رحمة واسعة . أجمعت الصالحية
وعلمائها بعد أن وثقت بالشيخ حسن هلولى وعلمه
الغزير بأنه مؤهل للإفتاء لاسيما بعد أن زار السيد عبد الواحد مناطق الشيخ ووقف بنفسه حاجتها الى مفتى يفتى
للناس في أمور شريعتهم ، فأقام الشيخ للمهمة بعد تعيينه للإفتاء في المنطقة خير
قيام حيث صار مشهورا يؤم اليه الناس من كل حدب وصوب .
ومن نافلة القول فقط نورد أن حصل عدة مرات اختلاف وجهات
نظر في مسائل معينة بين العلماء في الصومال فبعثت الإجابات المختلفة من بينها رد
الشيخ للمسائل الى الأزهر الشريف للبت فيها فكانت الموافقة له .
ب. جهوده وآرائه في الاحوال الشخصية: بذل الشيخ
جهودا مضنية في المناطق التي عاشها خصوصا وفى جنوب الصومال عموما لترسيخ مبادئ
الشريعة وأحكامها في كل ما يتعلق بــــــــ
·
الزواج وأحكامه
وما يترتب عليه من مهر و مسكن ونفقة .
·
الطلاق وأحكامه
وآثاره من نفقة وعدة وغيرها .
·
كل ما يتعلق بأحكام
الإرث ، وفي الفقه يطلق عليه أحكام الفرائض. وان كان الثالث لا يعد عادة من
متعلقات الاحوال الشخصية .
وقد اشتهر في منطقنه في تبنى مبدا عدم وقوع الطلاق الثلاث
في دفعة واحدة او في كلمات لم يتخللها رجعة وفى وقت مبكر لم يسمعه بعض العلماء في الصومال .
وهى مسألة معروفة حيث ان العلماء يختلفون حولها
في من اوقع الطلاق الثلاث دفعة واحدة او اوقعها في كلمات لم يتخللها رجعة فهل
تلزمه الطلاق الثلاث فلا تحل له زوجته الابعد ان ينكح زوجا غيره وتعتد منه أم انها
تكون طلقة واحدة له رجعتها مادامت في العدة
وبعد العدة يعقد عليها ولو لم تنكح زوجا غبره ، فقد ذهب الشيخ الى ان موقع الطلاق الثلاث
بكلمة واحدة او بكلمات لم يتخللها رجعة لا يقع عليها الا طلقة واحدة وهو مروى عن الصحابة
والتابعين وأرباب المذاهب وكذا شيح الإسلام ابن تيمة وتلميذه ابن القيم الجوزي . وهذه
المسالة بالذات احدثت زوبعا في منطقته خاصة بعد ما أشاع اشباه العلماء بأنه يحلّ حراما
ويحرّم حلالا وترتّب بسبب هذه الاشاعات أن
يلتبس الأمر على العوام مما أثر سلبا في سمعته في بداية الامر3 إلا أنه ثبت على الحقّ
الى أن اصبح قبلة الناس حائزا بذلك شهادة المفتي المصلح والفقيه المجدد في زمن ندرت
مثل تلك الاصوات وفى أدغال تلك المناطق النائية في الجمهورية .
ج . فهمه العميق لمصادر التشريع و درايته للمذاهب المختلفة: لا تختلف
عليه اثنان موسوعية الشيخ وفهمه العميق
لمصادر التشريع الإسلامي من الكتاب والسنة
والإجماع والقياس، درس المذاهب العقدية
والفقهية وعلى رأسها المذاهب الاربعة وزاد عليها مذاهب أخرى فقهية كمذهب الامام
سفيان الثوري ، وعلى الرغم من التزامه
التام للمذهب الشافعي السائد في الصومال إلا أن درايته للمذاهب الاخرى
أهلته أن يفتى أحيانا مسائل ركيكة قد لا تكون معهودة لدى العلماء المحليين الذين
لم يعهدوا إلا المنهج الشافعي .
د. مواقفه في التيارات الاسلامية: سافر الشيخ
كثيرا إلى الداخل والخارج وأحتك مع مجتمعات مختلفة مما أكسبه خبرات واسعة إضافة الى اطلاعه لكل ما هو جديد في العالم
الإسلامي من توجهات وتيارات إسلامية
معاصرة وبالتالي اثّر ذلك في مواقفه تجاه تلك التيارات ومدى صلتها بالفهم الصحيح
للإسلام.
ورغم ان الشيخ قد تزامن مع بروز التيار الصوفي العريق في
الصومال إلا أنه كان يدرس ظاهرة الحركات الإسلامية المعاصرة في العالم الاسلامي
متمثلة بمدارسها المختلفة فالسلفية والوهابية مثلا لم تكن تعجبه إطلاقا ولكن ينصفهم في بعض ما يذهبون إليه من مسائل
علمية ، و يأخذ عليهم كثيرا في تشددهم المنفر في رأيه ، درس منهجهم وكتبهم ورد
عليهم أحيانا كما ناظرهم أحايين أخرى. وذكر في بعض مجالسه انه قد صافح ولد الامام محمد بن عبد الوهاب في
الحرم. وثمة من قال له من مشاهير المدرسة السلفية
"انك عالم في الشريعة وتعمل في الدعوة الى الله فكيف
اذا قدّمنا أوراقك للشيخ العلّامة بن باز رحمه الله
و تتواصل معه كي
تتقاضى أجرا منه مقابلما تقوم من الدعوة ، ويفعله كثير من أمثالك من العلماء أو من
هو دونك في العلم والمقام " رفض الشيخ ذلك العرض السخى رفضا قاطعا مفضلا ان
تكون دعوته خالصه لله تعالى فقط . أما التيار الإخواني فكان يعتبرهم مصلحون بل كان
يقول إن "حسن البنا "ينتمى الى
المدرسة الحقيقية للتيار الصوفي ، وأطلع كثيرا على كتبهم لاسيما التي لها صلة بالتوجه الصوفي ككتاب
:منازل الصديقين والربانيين للشيخ : سعيد حوى رحمه الله رحمة واسعة ، كان يوجه لهم
بعض الانتقادات في مسائل عقدية وأخرى فكرية .اما مواقفه ازاء جماعة التبليغ اتسم بالتشجيع
والتحفظ معا لطالما يعملون في إطار
دعوة الناس إلى فضائل الأعمال ، ولا يتخذون العنف منهجا ، معلقا عليهم في إحدى
محاضراته " يكتنفهم غموض كثير لاسيما ظروف نشأتهم وتطورهم 3
اهم المصادر والمراجع :
1. الشيخ محمد صوحى . امام مسجد التو حيد في كمبالا .
2. نجل الشيخ : الشيح أحمد شيخ حسن .
3. مذكرات الشيخ وحديثه في مجالسه .