الاثنين، 1 يوليو 2019

الصومال




                             الصومال: الحلقة الأضعف فى الصراع المتجدد في المنطقة                                    

                 تشهد منطقة القرن الأفريقي فى هذه الايأم سلسلة من الأحداث المهمة و التي لاشك أنها شتؤثر سلبا وإيجابا على جملة القضايا المصيرية لشعوب هذه المنطقة . فالصراع الخليجى الخليجى أو مابات يطلق حاليا بسياسة إستقطاب المحاور لاتفوتها شاردة ولاواردة إلا وتلقى بظلالها على التفاصيل المملة للمشهدالعام، الهدف منه التأثير وإستقطاب الولاءات ، كما أنها لاتتورع في إستخدام أساليب قاسية إذا اقتضى الأمر لحسم الموقف .

 وقد حدث فى إثيوبيا مع بداية حكم أبى أحمد فى منتصف العام الماضي سلسلة من التغييرات التي لا تقل أهمية عن تلك التى تجرى فى المنطقة برمتها منها حدوث تحول شبه ديمقراطي فى إثيوبيا وصعود عرق "اروما" لحكم أكبر وأهم دولة فى المنطقة ، وتسوية الصراع الأثيوبى الارترى المزمن والمرير عبر مصالحة ودية فتحت الباب علي مصراعيه لتقارب سياسي بين الدولتين لم يسبق له مثيل منذ ظهور دولة ارتريا فى خارطة دول القرن الأقريقى فى نهاية القرن المنصرم . هذا التقارب النوعي  بين الدولتين وخاصة فى المسائل ذات الصلة بالسياسات الخارجية حمّلت الدولة الصومالية " الحلقة الأضعف فى الصراعات الدائرة  في المنطقة " أن تنضم اليهما ليتشكل حلفا ثلاثيا لم يعجب جيبوتي ، وهي الأخرى التى لها نزاع حدودى مع دولة إرتريا لم يتم تسويته حتي اللحظة . إضافة الي الصراعات المحتملة فى المضايق وتمثل البحر الأحمر ومضيق باب المندب الجزء الأهم في ذاك الصراع المحتمل . كل هذه العوامل المتشابكة والمعقدة تجعل المنظقة تسير فوق رمال متحركة .

 فالصومال لها عدوات تقليدية وتاريخية مع إثيوبيا وكينيا المتمثلة بأن الأول مازال يطالب أقاليمه المحتلة من قبل هاتين الدولتين و لا يعترف حدود المستعمر والمعتمد من قبل الاتحاد الأفريقي. وتتعامل كل من إثيوبيا وكينيا مع الصومال بسياسة إضعاف الخصم وجعله مشغولا في قضاياه الداخلية كي لا يتفرغ للمواجهة والتي حسب ما تبدوا حاليا بعيدة المنال لأسباب أولها أن دولة الصومال غير قادرة علي حماية سيادة بلدها  ولا تسيطر إلا جزء يسيرا من الوطن " العاصمة وحواليها "  بينما كينيا تتدخل فى جنوب الصومال ولو تحت ستار تفويض الإتحاد الأفريقي وإثيوبيا كذلك ولكن فى الجنوب الغربي والوسط لدعم فصائل معينة وأحيانا تتورط قواتها بمهام تقوض كيان الدولة ووجودها.

      واللافت للنطر في الأونة الأخيرة أ ن كينيا الجارة الجنوبية للصومال تصعد حملة محمومة ضد الصومال وفي أكثر من صعيد ،  ورغم أن الدافع الحقيقي هو الخلاف البحري الذي ستبت فيه المحكمة الدولية فى أحقيته لمن؟  لاحقا من هذ العام،  إلا أن الدبلوماسية الكينية تحاصر الموقف الصومالي من خلال الضغط علي ملفات عدة  كفتح علاقات مع الولايات الفدرالية والاتصال بجمهورية أرض الصومال وربما الاعتراف بها لحمل القيادة الصومالية بالقبول علي التنازل أوالتسوية خارج نطاق المحكمة الدولية.    

             وتشهد الصومال في ظل هذه التغيرات الدراماتيكية في المنطقة ضعفا في الرؤية الاستراتيجية وتخبطا لامثيل له في السياسة الخارجية بجانب أنها لا تملك المقومات الكافية للدفاع عنها في ظل حدوث أي مكروه لها ولسيادته، الأمر الذي يجعلها بأنها الحلقة الأضعف على الإطلاق في الصراعات الدائرة حاليا والمحتملة مستقبلا. 


                                                                         


السبت، 9 مارس 2019

الصراع السياسي في الصومال" 5" الديكتاتورية ومرحلة حكم نظام سياد بري


الديكتاتورية ومرحلة حكم نظام سياد برى :

ومع نهاية عام 1969م ، طفى للسطح و على نحو متزايد هزالة الديمقراطية البرلمانية في الصومال وأنها قد أصبحت لعبة  يتقتها السياسيون للعبث بإرادة الشعب و لا صلة لها بالتحديات اليومية التي تواجه المجتمع ، وقد تجلى ذلك بوضوح فى إنتخابات عام 1967م ، حيث صارت التعددية الحزبية لاتطاق بجانب إنتشار الرشوة  وشراء الذمم والفساد الإنتخابى ، لتكون المحصلة فقدان ثقة الشعب بالحكومة المنتخبة وإعتبار الانتخابات ذاتها وجها من أوجه التفريط فى القضايا الجوهرية للأمة .

وتحديدا في الخامس عشر من أكتوبر عام 1969م ،إغتال فرد من قوات الشرطة الرئيس : عبد الرشيد على شرماركى، وبعد مضي ستة أيام فقط نظمت القوات المسلحة إنقلابا أبيض أى غير دموى. وقام القادة العسكريون بقيادة الجنرال سياد برى  بتنظيم المجلس الثورى الأعلى ، الذى تلقى فى البداية ترحيبا صاخبا. إذ تم اعتبارهم كأبطال تركوا الثكنات لإنقاذ الأمة. وكان للمجلس الثورى الأعلى  آنذاك الحرية فى التصرف بشكل حاسم وتسوية القضايا التى يناقشها البرلمان الغير فعال بشكل غير نهائى ، مثل إنتقاء الهجاء الرسمى للغة الصومالية كذلك التصرف بحزم فى برامج محو أمية البالغين واستيطان النازحين أو المتشردين بسبب الجفاف .  

وفى عام 1970 تبنى سياد برى "الاشتراكية العلمية" كأيدلوجية توجيهية مُرشدة لنظامه وقدّم سياسات لتجريم الهويات العشائرية أو القبلية. لكن هذه النشوة بدأت فى الزوال فى منتصف عام 1970م ، وبحلول هذا الوقت أصبح من الواضح عدم نية المجلس الثورى الأعلى فى استعادة الديمقراطية كما وعد ، بل كان أكثر تركيزا فى الحفاظ لنفسه على السلطة وإمتيازاتها ، بما فيها نشر الشرطة السرية فى كل مكان وزمان لتأديب كل من تراه غير محترم دون الرجوع إلى القانون . وكان أول ضحايا السلطة المتعسفة المستبدة  الجنرالان محمد عينانشي  وصلاد جابيري ، وإعدام أكبر صانعى الانقلاب فى عام 1971 م ، فى حادثة وصفت هى الأخرى أنها بداية جديدة لمرحلة فاصلة فى التاريخ الصومالى الحديث ، لما يحوم حول القضية من ملابسات حتى اليوم فى دستوريتها ومن قبلها صحة الإتهامات الموجهة إليهم  ، و أيا كانت الدوافع فلا يوجد دليل على فساد المجلس الأعلى الثورى أكثر من أفعال رئيسها  (سياد برى ) . حيث سمح برى بتحريف التبجيل الذى تقره الدولة وتعترف به لـ "الثورة" إلى طائفة من إطراء شخصى متملق ذليل لم يُسبق رؤية مثيله حتى الأن فى تاريخ البلاد. 

على الرغم من الحملة الرسمية ضد "القبلية" وتعزيز الاشتراكية العلمية وقضية الصومال الكبرى بمثابة أيدلوجيات موحدة ، بنى سياد برى سلطته على أساس التلاعب بالعشائر وتنفيذ أساليب تقليدية كلاسيكية بناء علي قاعدة فرق تسد ، لتكشف الحرب مع إثيوبيا (ما بين عامي 1977 و 1978) م عن نقاط ضعف سياد برى والسلطة الجوفاء.

وقد أصر الزعماء السياسيون فى مقديشيو قبل فترة طويلة من الاستقلال منذ عام 1960 إلى أوائل عام 1970،  كما اسلفنا الذكر على حق تقرير المصير للشعب الصومالى الذي يعيش فى منطقة  الصومال الغربى "أوغادين " فى إثيوبيا . وفى عام 1970 ، أرسل برى قواته ، معتقدا أن الإستيلاء على منطقة " أوغادين" كان فى متناول يده بسبب ضعف إثيوبيا بعد الثورة وتسليح الجيش الصومالى جيدا بفضل الدعم السخي من الاتحاد السوفيتى. وسرعان ما حقق الصوماليون تقدما كبيرا وهددوا المدن الرئيسة فى) هررHarar وديرا داوا( Diradhabe . قبل إعادة إمداد الجيش الإثيوبى من قوات الاتحاد السوفييتى ودعم القوات الكوبية ، وقيامهم بالهجوم المضاد ودفع القوات الصومالية مرة أخرى إلى الحدود.

     لقد أزالت الهزيمة في عموم القومية الصومالية كأيدلوجية شرعية لنظام سياد برى، كما أدت كارثة  النكسة فى أوغادين إلى البحث عن عشائر ككبش فداء ، وانفجار الانشقاقات العشائرية فى العراء. وقد أصبح استخدام النظام للتنافس والمحسوبية بين العشائر من ناحية ، والقمع من ناحية أخرى كوسيلة للحفاظ على السلطة  واضحا بشكل متزايد فى عام 1980م . فمع تآكل السلطة نما إعتماده على القوة التعسفية حتى مطلع الثمانينات، حيث اعتمد على اساليب الرعب والتلاعب بهويات العشيرة للبقاء في السلطة([1])

وايا كاتت الأحوال فقد اتسمت مرحلة الحكم العسكري فى الصومال  بجملة من التناقضات ، ولاتوجد بين الصوماليين مرحلة تاريخية مختلفة عليها من حيث التقييم  ومعاييره مثل تلك المرحلة ، فهناك من يمجدها بدرجة التطرف ، كما أن هناك من يعتبرها نقطة سوداء فى تاريخ الصومال الحديث وفيما بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من النا س .

 ثمت مقولة تتكرر غالبا  فى الشفاهة والتدوين عند الحديث عن الشان الصومالى أنه لم يعرف على مدى تاريخه حياة سياسية في إطاردولة ذات مؤسسات رسمية، بل خضع لنظام التراث المتجدد من تاريخ إستقلالها وحتى الأن .  وكان تنظيم الدولة قائماعلي إجماع مجتمع  سادت فيه رؤية دولة قومية صومالية حديثة اكثر دوما وذات صلة بالاسلام.      

لذلك نجد من يجزم أن دولة الصومال قد وصلت ذروة عزها مباشرة عقب انقلاب عام 1969 م ، عندما نجحت حكومة سياد بري الثورية  في تعبئة المجتمع سعيا وراء الحداثة وتحقيق المثل العليا للفكر القومي.  كانت فكرة "صوماليا" في فتلك الفترة تتجاوز أفق العشيرة القصير وتطمح الي تجاوز الحدود التي تركها المستعمر ولم شمل الشعب الصومالي الذي قسمة المستعمر الى خمسة أجزاء تحت علم ودولة واحدة. كما ارتبط الفكر القومي الصومالي  بمحاولة اللحاق بقطار الحداثة لدى تطرق كتابة اللغة الصومالية بهدف تعجيل جهود محو الامية ([2]). لتمتد الى المكونات الأخرى من التحديث التي شملت  إقامة البني التحتية وتقديم الإغاثة لضحايا المجاعة المشهورة فى عام 1974م ، و بناء جيش صومالى قوى أعداده كبيرة ولديه عتاد رهيب وحديث لبلد نوعا مايصنف أنه  صغير مقارنة لجيرانه ، بدا الجيش  حينئذ وكانه أكبر من حجم بلده ، وكان  ذلك بلاشك مصدرا للفخر فى الوطن ومجدا للعسكر وفى مقدمتهم اللواء سياد ([3]) .

ولكن كما يعرف بطبيعة الأنظمة العسكرية فان ما تبنيه من أمجاد وعز تخسره  كذلك فى سبيل البحث عن مجد الذات ، وهو ما حدث لاحقا مع النظام العسكرى فى الصومال بقيادة اللواء سياد برى لتحشر الوطن كله فى كفة الزمرة الحاكمة والمقربة من الرئيس ، وصارت الوطنية  المعنى الأخر للديكتاتورية ليتزلف الكل نحو النظام ومدح قائده مما أهله  للولوج الى الفشل وفى أوسع  ابوبه ، فصادر الحريات الأساسية من  حق الأفراد فى  الإنتماء إلى نتظيمات أو أحزاب  سياسية وإيجاد إعلام حر وغيرها من القرارات التى جعلت المواطن يشعر وكأنه مغترب فى داخل بلده .

وقد تعمد النظام كذلك  فى الإخلال فى مبدأ تقاسم السلطة بين ممثلى المجتمع الصومالى وشرائحه كما حصر الثروة فى أيدى فئة معينة تكن له الولاء وعلى أساس فبلى صرف ، إضافة الى وأده للديمقراطية الوليدة فى البلاد ومبدأ الإنتقال السلمى للسلطة ، وصار القمع سيد الأحكام واهدرت الحريات الأساسية وهاجرت العقول النيرة الى الخارج وتحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية تحكم بالمراسم وليس بالدستور .

 ولم يقف عند هذ الحد بل جرت همجيته أحيانا الى قتل مواطنيه لأتفه الأسباب بعد إجراء محاكمات هزلية  على محالفيه فى الرأى ، لتتحول البلاد الى جو من العنف يسود فيه المنطق القبلى وتصعف سلطة القانون وتنفجر الأحفاد القبلية ([4]) .  كل هذه الخطوات المجتمعة وغيرها أفقدت النظام شرعيته وعززت من مواقف معارضيه من الحبهات الصومالية رعم رداأتها فى الغلاف والمحتوى على حد سواء .





[1] .Terrence Lyons And Ahmed I.Samatar : State collapse , Multilateral Intervention, and Strategies for Political Reconstruction. (1995, Washington D.C. The Brookings Institution) PP. 14.15.
[2] .Alex De Waal: The real Politics of The Horn Of Africa , Money ,war And The Business Of Power  ( Uk . Polity Press 2016. P.110

[3] . ibid :P: 110
[4] . حسن محمود عبد الله : الجبهات الصومالية النشأة والتطور ،  ص 54.

السبت، 2 مارس 2019

الصراع السياسى فى الصومال (4) الفشل المبكر في تكوين دولة حديثة


 الفشل المبكر في تكوين دولة حديثة :
بعد نيل الاستقلال كان ينبغي التركيز على إقامة دولة صومالية  حديثة وبالمعايير المتعارفة عليها دوليا أساسها المواطنة واحترام القانون والتساوي في الحقوق والواجبات فبدلا من ذلك تم التوجه الى البحث عن الصومال الكبير واستعادة الأقاليم المفقودة. 
 وعوضا من ترتيب البيت الداخلي لجمهورية الصومال التي أعلنت استقلالها غرة يوليو عام 1960 م بتوحيد شطريها الشمالي والجنوبي ، ركز الصوماليون على البحث عن الصومال الكبير واستعادة أقاليمه المفقودة والتي ضمتها بريطانيا إلى الدول المجاورة وذلك تحت تأثيري العاطفة والحماس غير المضبوطين ،  وأثر ذلك سلبا في  مسيرة مشروع الدولة الصومالية المنشودة . إضافة إلى نقل الثقافة الرعوية  المبنية على العنف  والقبلية إلى قلب الدولة إذ اتسم  مشروع الدولة و في بداية مشواره  بالإقصائية  ولم يقدر أن يستوعب كل الصوماليين بأطيافهم المختلفة " المجتمعات الرعوية والزراعية والساحلية " كلها في قالب واحد عنوانه الوطن ، وقد تم تهميش قبائل كان لها  الدور الأبرز في صياغة الثقافة الصومالية وحضارتها بعد أن استبعدت من الساحة بقصد أو دون قصد  وكلاهما مذموم ، وبذلك قد استأثرت القبائل الرعوية مشروع الدولة  برمته ،  عندما اختزلته بــــــــعبارة" ناقة مانديق " لتشبّه الدولة ومفهومها بالناقة الحلوبة ، والتي يدر ضرعها لبنا للمستحلبين ، علما أن طيفا واسعا من الصوماليون لا يعتبرون النوق أو الإبل ثقافة لهم . مما زرع نوعا من الشرخ في النسيج الاجتماعي الصومالي و أثر سلبا على وجود الدلة كيانا ومفهوما . كانت المسئولية الملقاة على عاتق القيادة الجديدة إثر الاستقلال تبنى سياسة أو فلسفة تتمحور الانتقال من دولة بدائية أساسها القبيلة إلى دولة حديثة أساسها القانون ، ولكن القيادة اتجهت الى تحقيق وحدة الصومال الكبير  رضوخا للرغبات العارمة للشعب الصومالي أنداك ، و ذلك بلاشك خدم لمشروع البحث عن القومة  الصومالية  ومحاولة توحيدها تحت راية واحدة ودولة موحدة ولكنه أضر بنفس القدر عن إيجاد دولة لها مقومات تؤهلها إقامة كيان دولة مستقلة تقدم  الخدمات الأساسية لمواطنيها، و تتمتع بحسن علاقات مع جوارها والعالم .
وقد ينتقد البعض بان الصومال لم يعرف أصلا في تاريخ مسيرته نحو مشروع الدولة دولة القانون  وهى( الدولة التي تكون تحت سلطة القانون وليس فوقه ) .([1]) كما يعرفها الكاتب الألماني : جيركة . إلا أن طبيعة المجتمع الصومالي الذى يعلوا  فيه شأن القبيلة والعشيرة ، وثم الفخذ اثّرت بشكل فظيع مشروع  إيجاد دولة صومالية تخدم للمواطن الصومالي بالدرجة الأولى بشكل متساوي في الحقوق والواجبات .   تشهد الصومال حاليا وبعد مرور نصف قرن ونيف من الزمان من استقلاله  عجزا تاما في إدارة البلاد والعباد ، بسبب فشل الدولة المتمثل في عدم تمتعها بشرعية قوية في أنحاء الدولة ، فاقدة لمكونا ت العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين ، حيث بضرب الفساد والتمثيل السياسي الضعيف وإساءة استخدام القوة العسكرية مقومات المواطنة في مقتل ([2]) .
ففي هذه الجزئية نلقى الضوء على محور إشكالية تقاسم السلطة باعتبارها من أهم مسببات فشل مشروع الدولة ، كما نعرج قليلا على الانتهازية في النخب السياسية في العهد المدني:
أولا:  إشكالية تقاسم السلطة :

ا. بين الشمال والجنوب :

بعيد اتحاد شطري الشمال والجنوب  في عام 1960 م ، والتي مثلت  أمالا واسعة بإمكانية استعادة باقي الصومال الكبير ،  لم يتم مراعاة العديد من القضايا المصيرية والموروثة منذ العهد الاستعماري ، والتي بدورها قد أضحت إثر ذلك مصدرا رئيسيا لمشكلات عديدة بين الجانبين ، لاسيما أربعة قضايا محورية وهى : تقاسم السلطة وقضية اللغة الوطنية ، وتوحيد النظم الحكومية والإدارية واختيار العاصمة .  فالبنسة لتقاسم السلطة لم يتطرق اليها دستور عام 1960م،  وإنما تركها للتوافق العام  بين أقطاب النظام السياسي بين الشمال والجنوب في مسألة شغل المناصب العامة ، إضافة إلى عدم تسوية قضية اللغة الوطنية حيث بقيت اللغة الصومالية حتى ذلك الحين لغة غير مكتوبة ، لا تستخدم في المعاملات الرسمية .

الجدير بالذكر في هذا الصدد أن الزعماء الصوماليين لم يهتموا بتوحيد النظم الحكومية والإدارية فيما بين الجنوب والشمال ، خصوصا تلك التي تتعلق بتوحيد النظام الضريبي والرسوم الجمركية وكذا النظم القانونية والتشريعية وتنسيق الهياكل الحكومية المحلية . أما بالنسبة لأ مر العاصمة فقد أقلق الشماليون  كثيرا من أن اختيار مقديشوا كعاصمة اتحادية سوف يتسبب في إهمال هرجيسا عاصمة الشمال ، وربما يفقد بريقها ولمعانها لاحقا .

لقد اتسمت عملية الوحدة منذ الوهلة الأولى باختلالات بارزة في عملية تقاسم السلطة والموارد فيما بين الشمال والجنوب مما أدى إلى إثارة احتجاجات محددة من قبل الشماليين فيما يتعلق بنصيبهم النسبي في هذه العملية خاصة فى مجالات عديدة :  أهمها ضعف مستوى تمثيل الشماليين في مؤسسات النظام الصومالي حيث حظى الجنوبيون عقب تشكيل الحكومة الأولى في عام 1960 م ، نصيب الأسد من المناصب السياسية بما فى ذلك رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء  وحوالى ثلث المناصب الوزارية بالإضافة إلى أكبر منصبين قياديين فى القوات المسلحة والشرطة . ويضاف إلى الإختلات الحاصلة في تقاسم السلطة فيما بين الشمال والجنوب  فقدان معظم السياسيين والكوادر المتعلمة التي انتقلت إلى الجنوب للعمل في المؤسسات الحكومية ، وللمشاركة في النظام السياسي الذى كان متمركزا الى حد ما في العاصمة مقديشو ، مما أفضى الى حرمان الشمال من نسبة كبيرة من نخبته المتعلمة والذى أثر بدوره سلبا على فرص التنمية البشرية في الشمال . ومن المجالات التي اثار الشماليون الاحتجاج فيه ضعف حصة الشمال في الإنفاق الحكومي العام في الصومال حيث لم يكن الشمال يحظى بنسبة متوازنة من الإنفاق العام  ، وكانت سياسات التنمية الحكومية تتسبب في إعاقة اقتصاد المناطق الشمالية في البلاد([3]).

كل هذه الشكاوى وغيرها اثارت احتجاجا مبكر من الطرف الشمالي ، وانعكس ذلك في موقفهم برفض حزب الرابطة الوطنية الصومالية في الشمال لمشروع الدستور الصومالي عام 1961م . وعندما طرح هذا الدستور للاستفتاء في نفس العام ، فإن نتيجة الاستفتاء أظهرت رفض أغلبية المصوتين في الشمال لهذا الدستور  ([4]) وكان ذلك إشارة مبكرة من الناخب الشمالي في امتعاضه عن مسيرة الوحدة،  ولاسيما مسالة تقاسم السلطة والثروة  بين الشمال والجنوب ، أضف إلى ذلك الانقلاب الذى قام به ضباط من الشمال فى20 ديسمبر  عام 1962م  والتي كانت محاولة منهم لفك الارتباط من الجنوب والذى بدأ بمشروع الوحدة والدولة بالإقصاء  وممارسة التهميش على الأطراف ([5]) .

 ب . تغييب  مكونات رئيسية فى المجتمع عن  هيكل الدولة :

وعلى الرغم من أن الجنوب قد تم التعامل معه ككتلة موحدة  بعد توحد شطري الشمال والجنوب إلا أن القبائل التي أسندت إليها المناصب العليا كان لها نصيب الأسد في تعييين معظم المناصب الدستورية والتنفيذية ، وقد غابت مكونات مهمة في نسيج المجتمع الصومالي عن هياكل الدولة والحكومات التي تم تشكيلها إثر الاستقلال أو تم تغييبها عن عمد مما أدى إلى حرمان مناطق مهمة مثلت تنوعا اثنيا لو أتيحت لها ولكفاءاتها المشاركة في هياكل الدولة لساهم ذلك وبلاشك في بقاء الدولة وتماسكها .

 وبعدكل ما جرى من حرب أهلية وتجاذبات بين المناطق أو القبائل من أجل الحصول على حقوق متساوية أساسها المواطنة إلا أن هناك من يفكر حتى اللحظة بعقلية الاستئثار بالسلطة والمال والتمتع بامتيازات تكون لوحده دون غيره من المواطنين ، ليبقى السؤال إلى متى ستستمر انتهاج هذه السياسة الإقصائية ضد أجزاء أ وشرائح واسعة للمجتمع من قبل الحكومة  لأن ممارسة الحرمان على جزء من المجتمع أو قبائل أو شرائح بعينها،  لاشك أنه سيؤدى بوما ما إلى ثورة الجياع  وتلك هي السنن الكونية  التي كفلها القدر .

ج. انتهازية النخب السياسية في العهد المدني:

دأبت النخب السياسية في العهد المدني الانتهازية والتركيز على المصالح الشخصية ، ولما كانت المصلحة العامة تقتضى تقديم تضحيات لبناء مشروع الدولة والتحرر من التبعية الغربية ، ظل التركير يصب في تحقيق مكاسب شخصية عبر استثمار شركات وهمية عادة ما تتعاون  مع الأجانب  وبالأخص الإيطاليين والاستفادة من المنح والمساعدات الخارجية المقدمة للصومال .  تهربت الكثير من القيادة الصومالية ما بعد الاستقلال  تحمل مسؤولية الوطن وإلحاقه في ركب الأمم المتحضرة وتبنى رؤية ثاقبة تفضى الى مشرع دولة كاملة الأركان ، وسبب عدولهم وتهربهم من تحمل المسؤولية لا يرجع الى ظروف البلاد آنذاك كما دأبت القادة ان تبرر بذلك بقدر ما يرجع إلى القادة أنفسهم ومصالهم الشخصية التي يجعلونها فوق كل اعتبار ، مما جعلهم في سبيل تحقيقها يتعاونون مع الاستعمار الجديد ، الذى بدأ يستميلهم إلى جانبه منذ النصف الأخير من فترة الوصاية (1950- 1960) ويبعدهم عن أماني وآمال الشعب في ربط مصالهم السياسية والمادية بمصالحة الاقتصادية في البلاد ،الى ان كونوا لاحقا طبقة برجوازية ناشئة ذات مركز اقتصادي فى المجتمع تربط بينهم وبين رجال الأعمال الأجانب مصالح مشتركة في داخل البلاد وخارجها ([6]) .

لقد ارتبطت مصالح السياسيين الشخصية بالمصالح الاستعمارية وامتزجت إلى درجة الاندماج الكامل ، فالسياسيون ساهموا برأس مال الشعب الصومالي إلى الشركات الاستعمارية ، وتم استئجار منازلهم وفيلاتهم الفاخرة والتي عادة ما بنيت على مساعدات الصومال الخارجية وأرسل أولادهم إلى أوربا ليتعلمو على حساب هذه الشركات ليستلموا زمام الأمور في البلاد مستقبلا، وقد بدى ذلك جليا في اكثر من موقف ومنها على سبيل المثال ما أوضح وزير التجارة والصناعة في حكومة السيد : عبد الرزاق حاج حسين في خطاب القاه امام الجمعية الوطنية في الثامن عشر من مايو عام 1966م ، مشيرا في خطابه إلى بعض المسؤولين الكبار في الدولة الذين تقدم لهم الشركات الأجنبية أسهم الشرف والتي هي بطبيعة الحال مقابل رفض الحكومة مشروع القوانين المتعلقة بصوملة الوظائف والمناصب في المؤسسات والشركات الأجنبية في الصومال الذى وافق عليه البرلمان فى شهر مايوا عام 1966م.

واللافت للنظر ان القيادة العليا كانت دائما على صلة مع الشركات الأجنبية لتحقيق مصالحها اذ باتت الأولى تؤجر للثانية مباني السياسيين  وفيلاتهم وهى بمثابة رشوة تربطهم بالدوائر الأجنبية اقتصاديا وسياسيا بجانب ما تدر عليهم من أمول تدفعها لهم ممثلو الدول والهيئات  الأجنبة ([7])

فالقيادات المتعاقبة في العهد المدني قدمت بعض الإنجازات التي لا يمكن الاستهانة بها ، تأتى في مقدمتها نشر الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة ، مع إجراء الانتخابات في حلول مواعيدها ، بجانب بناء مؤسسات مدنية خدمت في القطاع التنفيذي بشكل مقبول ، ولكن يؤخذ عليهم المحسوبية لدى تعيين الوظائف خاصة في الوزارات المهمة كالخارجية ونحوها ، إضافة إلى الفساد الانتخابي الذى شهدته الصومال في أخر انتخابات عامة أقيمت في الصومال فى عام 1967 م .

ومهما يكن من أمر فالحقبة المدنية كانت  أفضل من الحقبة العسكرية سواء كانت في الأداء أو في احترام حقوق الإنسان وثم حقوق المواطنين
آدم شيخ حسن : كاتب في الشأن السياسي



[1] . عبد الحميد محمد أحمد : أساليب السلطة والحكم في رئاسة الدولة الافريقية "1950_ 2000م" (الخرطوم : دار عزة للنشر والتوزيع 2012) ط الأولى . ص 24 .
[2] . منى عبد الفتاح : الصومال : مقالة أزمة مفهوم الدولة ، صحيفة العرب بتاريخ 12. 11. 2013 م .
[3] . وهذا قد يختلف علبه لأن البعض يعتقد أن الشمال نال حصة مقبولة من مشاريع التنمية المقدمة من قبل الحكومة المركزية.
[4] . أحمد إبراهيم ، مرجع سابق ، ص : 134. 135.
[5]  . Abdulahi Yusuf Ahmed: Halgan iyo Hagardaamo (Stockholm, Swedan Scansom Puplishers, 2012) PP. 27.31.
[6] . حسن محمود عبد الله : الجبهات الصومالية النشأة والتطور ( مصر : درا الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع ،2013م ) ص 36.
[7] . المرجع نفسه ، ص : 36 ، ص 37.

الجمعة، 15 فبراير 2019

الصراع السياسى فى الصومال 3. اشكالية الهوية


اشكالية الهوية :

عانت الصومال  ولاتزال تعانى كثيرا من التعقيدات فى  تشخيص هويتها ، إذ تباينت المدارس وتضاربت الافكار حول جدلية أصل الشعب الصومالى ، وبما أن المحتمع الصومالى مجتمع شفوى لايقيم للكتابة وزنا لايوجد ماهو مكتوب من شأنه الجزم فى الإتجاهات المختلفة حول الأصل، وبالتالى كل ما يتوفر حاليا هو إجتهادات شخصية وإستنباطات متواضعة عن المرويات والشفهيات التاريخية ، والتى معظمها لم تسلم من الأساطير والتزييف مما ألقى بظلاله على مصداقية تلك الروايات  المروية أو المتوارثة كابرا عن كابر .

وقد يتساءل الصوماليون عن هويتهم التي مازالت فى طور التشكل ، هل هي إفريقية أم عربية أم إنها مزيج من الًإثنتين، ويبدو التساؤل للوهلة الأولى بسيطا، ولكنه يحمل في طياته الكثير من المتاعب التي أرَّقت مجتمعا من ملايين الصوماليين ([1]) . وقد تتطور التساؤلات إلى حد الإحتدام فى خضم التجاذيات حول جدلية الأصل بين  العروبة والأفريقية أو إمكانية الجمع بينهما ليتجاوز النقاش الذى ما استطاع أن يحفر فيما وراء ضحالة التكييف التى إنحصرت فى: هل هو عربى ؟ هل هو افريقى ؟ ام : هل هو عربى -أفريقى ؟  فى حين أن المطلوب هو العبور من جدلية التكييف الشكلى على هذا النحو إلى حيث يجب أن تتجة التساؤلات التى تستهدف رسم الكيفية التى يجب أن يكون عليها إرتباطه الجيواإستراتيجى والجيوسياسيى بالعالمين العربى والأفريقى،  فالمكونات العرقية واللغوية والدينية ليست هى الأهم فى رسم تلك العلاقة ، بل المصالح الجيو إستراتيجية المترابطة التى تتعلق بالبقاء و الأمن، والنمو ، والمصلحة بشكل عام ([2]) .

  إن من يدافعون عن عروبة الصومال ينطلقون  بأن معظم قبائل الصومال تنتسب إلى العرب ،كما تنتمى دولتهم إلى الجامعة العربية إضافة إلى عناصر التأثير والتأثر ومنها  بطبيعة الحال الدين  والثقافة والتاريخ المشترك . ومما لا شك فيه أن الصومال يلتقى مع محيطه العربى بكل العناصر المشكلة للهوية تقريبا ، والتى قديأتى فى مقدمتها عامل الدين وثم الحضارة الاسلامية ،وموروث التاريخ، وتأثيرات الجغرافيا، لتمتد الى الأمن،  والبقاء، والمصالح المتباذلة ،ونتاج ألجيوسياسى فى المنطقة على مدار الحقب التاريخية المختلفة ، مما جعل الصومال تتأثر بكل مايدور فى العالم العربى من تحولات سياسية وإقتصادية  وإجتماعية أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم.  ولذلك لا غرابة أن تجد المواطن الصومالى يتفاعل مع كل القضايا العربية وتفاصيلها المملة  ويتابعها عن كثب فى حين يجهل أو يغفل عن ما يدور فى محيطه الأفريقى أو حتى جواره اثيوبيا وكينيا مثلا .

تعتبر اللغة عاملا هاما فى مضمار الحديث عن الهوية ، ومن المفارقة بمقام أن الصوماليين لايتحدثون العربية كلغة أم ، اذ أن لهم لغتهم الخاصة التى يعتزون بها ويعتبرونها المكون الريئسى لهويتهم الصومالية  ، فلطالما العناصر التى يمكنها بلورة هويةجمعية كثيرة ، فدائما ماكانت اللغة هى العنصر الأبرز والمكون الأهم  فى بلورة الهوية الجمعية ، وبالتالى نجد أن العربية غير منطوق بها في الصومال بشكل كامل مما يُخِلُّ بأسس أطروحة عروبة الصومال نظرا لإفتقارها  لأهم مكوِّن للهوية. وان لم تكن هى الدولة العربية الوحيدة التي تعاني من ذلك الأمر ، إذأن  معظم سكان دول شمال أفريقيا لايتحدثون العربية بالطلاقة المعهودة فى المشرق العربي إلافي حالات نادرة ، غير ان الموروث الثقافي المتراكم والذاكرة التاريخية والتراث الشعبي للشعب الصومالي يلتصق بالثقافة العربية وإن افتقد اللسان تحت أى أسباب  ([3]).

وقد يضاف الى ذلك عزوف معظم الصوماليين عن الأفريقية ظنا منهم بتوؤمتها للزنجية والتى عادة ما يأنف منها الصوماليون لأنهم يتمتعون بأنف قوقازى وشعرناعم وملامح إلى حد ما بعيدة عن تلك المنسوبة للزنوج ، بجانب حبهم للدين الإسلامى الذى أوصلهم إلى درجة الإلتباس مابين هو عربى وإسلامى . ومع كل هذا تجد الإنسان الصومالى الواعى لا تستسيغ له أن يوصف بأنه عربى لتيقنه بأنه لم يكن عربيا لا باللسان ولابالإنتماء معتبرا ذلك ضربا من ضروب النفاق مع الذات بيد أن المفارقة تتمثل عندماتخضع معايير الفوقية والدونية لدى الإنسان الصومالى نفسه داخل المجتمع بإنتماء عائلته للعروبة من عدمها .

أما من يدعم إتجاة افريقية الصومال فينطلق بأن الصومال بلد أفريقى إنسانا و تاريخا وجغرافيا ، ويشترك مع جيرانه  كل عوامل الإنسجام، فبالتالى يجب أن يتعايش مع جيرانه الأفارقة ، بدل أن يتزلف للعرب الذى لايقبله إلا فى أخر قائمة الشعوب العربية التى لاتجمع معه إلا عامل الدين ، وأن انضمام الصومال إلى جامعة الدول العربية فى عام 1974م ،ما كان إلاقرارا سياسيا اتخذ فى لحظات غلبت العاطفة على العقل ،  وتبعات هذا القرار غير الرشيد  تبدوا أثاره جلية على الأمة الصومالية حتى اللحظة مع أن من اتخذ هذا القرار هو نفسه من قرر كتابة اللغة الصومالية بالحرف اللاتينى فى عام 1972م،  في خطوة هى الأخرى  باعدت بين الصومال وعُمقه العربي والثقافي، والمعلوم ان  نظام "محمد زياد بري" قد تبنَّى كتابة اللغة الصومالية -الأبجدية- بالحرف اللاتيني ليعلن  الصومال بذبلك عن فراقه الأبدى  للهوية العربية  مما خلق نوعا من التناقض فى المواقف والتضارب فى فلسفة التعاطى بعروبة الصومال لتصبح الصومال بذلك الدولة العربية الوحيدة فى الجامعة ، والتي لا تنطق بالعربية كلغة أولى ولا تستعمل الأبجدية العربية رسميًّا في كتاباتها ([4]).

والجدير بالذكر فى هذا الصدد ان المنظومة العربية الرسمية تتعامل الصومال وكانها حديقة خلفية لدولهم ، حيث تصنف الاخيرة ضمن الدول العربية ذات الأوضاع الثقافية الخاصة لكونها لا تنطق باللغة ، وتعددولة فاشلة تضرب فيها المثل السيئ خاصة عند تحذير القادة لشعوبهم من عدوى الصوملة وانعكاساتها الخطيرة على مستقبل البلاد والعباد . ولهذا نجد اليوم من بين النخبة الصومالية من يطرح فكرة الإنسحاب عن الجامعة العربية و التعايش بل التحالف مع الجيران الأفريفى الذى يعتبر الصومال دولة أفريقية تتمتع بكل إمتيازت دول الأعضاء فى الإتحاد الأفريقى ، بيد أن مثل هذا الطرح سرعانما ينصدم مع واقع مرير، إذ ان الصومال بدأ كيانه وإستقلاله بخلافات حادة مع جيرانه لاسيما إثيوبيا وكينبا وذلك بالأراضى المتنازعة عليها . وقد حاولت الحكومة الصومالية فى بداية الخلاف حول هذه الأراضى  نقل المعركة إلى منظمة الوحدة الإفريقية شارحة موقفها من حق الشعب الصومالي في تقرير المصير، وخصوصية القضية الصومالية عن سائر قضايا التحرير الإفريقية، إلاّ أنّ الصومال سرعان ما أصيب بخيبة الأمل عندما قررت منظمة الإفريقية احترام وعدم المساس بالحدود الموروثة عن العهد الإستعماري للدول الإفريقية ([5]) . هذه العدوات التقليدية وما أفرزتها من أثار سلبية جعلت الإنسان الصومالى منبوذا أفريقيا فلاهو يعتبر نفسه أفريقيا ولا الأفارقة يتعاملون معه على هذا الأساس ليواجه بذلك أزمة حقيقية فى هويته.

ومما لاشك فيه  أن الهوية الأفريقية  قدتم تشويهها فى الصومال عن عمد ولأ سباب ربما تتعدد ولكن أهمها لضمان التجانس داخل فئات المجتمع الصومالى ، طالما تدعى الأغلبية أنها من أصول عربية علما أن ضمان التجانس  لا يقدم سوى القليل من الفائدة للشعوب وربما يؤدى إلى عدم إحترام المساواة بين كافة المجتمع ولذلك صارت الشعوب  المتقدمة فى عصرنا هذا تفخر بالتعددية سواء العرقية او اللغوية و الثقافية وحتى الدينية أحيانا .

ومن المفارقات ان الصومال تتمتع بعوامل وحدة  كثيرة ، إذ يدين الشعب كله ملة واحدة وهى الإسلام بل وعلى ومذهب واحد ، ولغة مشتركة رغم وجود لهجات ، أضف إلى التقارب العرقى والإثنى فى مكونات الشعب ، إلاانها لم تكفل له النجاح فى بقاء كيانه كدولة ، بينما تجد فى الدول المجاورة عكس ذلك المفهوم ، تنوع إثنى رهيب وعشرات اللغات إن لم تكن المئات مع وجود ديانات مختلفة داخل الدولة الواحدة ومع ذلك متعايشين جنبا إلى جنب يوحدهم الوطن والمصير المشترك . هذه المعادلة خلقت بدورها تساؤلات عديدة : ما فائدة التجانس المزعوم فى الصومال؟ وماذا قدم للصوماليين إن وجد ؟  وما العيب فى التنوع لطالماهو فى إطار الوحدة ؟ . ومن القضايا الشائكة التى القت بظلالها على المجتمع الصومالى المواطنة المزدوجة ، فالعنصر الصومالى له تأثير سياسى  وأخر إقنصادى فى  شرق أفريقيا عموما وهذه مصدر فخر له ،  إذ يحكمون جيبوتى وجزء مهم فى إثيوبيا " الصومال الغربى"  حيث تعتبر القومية الصومالية هى القومية الثالثة بعد قوميتى أروموا وأمهرا ،كما يتمتعون بإمتيازات سياسية وأخرى تجارية فى كينيا ولهم محافظات كاملة فى شمال شرق كينيا (محافظات جاريسا ووجير ومنطيرا ) . فضلا الحديث عن جمهورية الصومال  التى ينفرد بها  الجنس الصومالى ،  ولكن هذ الوجود فى الدول المجاورة كمواطنيين مع إشتراكهم فى أصالة العرق الصومالى خلقت نوعا من التداخل فى تحديد المواطنة ، ومن الإشكالات التى أثيرت ولاتزال محل جدل بيين الصوماليين لاسيما بين النخبة هى الموطنة وعلى أى أساس تحدد ، ووفقا للدستور الصومالى  السابق كان من حق الصومالي المولود في جيبوتي أو كينيا أو إثيوبيا أن يصبح رئيسًا لجمهورية الصومال. فقد وُلِدَ أحد وزراء الدفاع السابقين في مقاطعات الحدود الشمالية لكينيا وعمل كمسئول عسكري كيني لسنوات عديدة ، وكان هناك أعضاء في المجلس الأعلى الثوري وجنرالات وضباط من الجيش والشرطة ووزراء وسفراء وغيرهم من كبار المسؤولين الحكوميين الذين تم معاملتهم مثلهم مثل أي مواطن صومالي آخر.  وبهذ الصدد إستنكر  البرفسور : عُمر إينو الدستور السابق للصومال على أنه وثيقة (ليس لها معايير واضحة لأهلية المواطنة ، كما يشدد على أن "الدستور الذى سيتم تشريعه بعد الحرب الأهلية يجب أن يُحدد بوضوح من هو الصومالى.  ([6]).


أصل الشعب الصومالى :

 تهتم معطم القبائل الصومالية الإنتماء النسبى من ناحية الأب بدرجة القداسة  و لذلك  يعتقدالسيد:  "اى ام لويس " ( I. M. Luwes )   أن النسب من ناحية الأب غالبا لدى الصوماليين مهم و مثله مثل : "عنوان الشخص فى أوروبا". ولذلك إهتم الباحثون فى الِشأن الصومالى لاسيما الغربيين منهم مسألة التسلسل النسبى للقبائل مستخدمين عدة نظريات لتصنيف الشعب الصومالي ، وأي نظام مستخدم يعتمد على من يستخدمه ، أو فى أي غرض يُستخدم، بيد أن العشائر فى الصومال يمكن تقسيمها  من أربع إلى خمسة كيانات عشائرية ، والتى  من الممكن لأ ى باحث أخر زيادة العدد إلى أكثر من ذلك أو تقليبها. وتتمثل معادلة القبائل حسب أخرمقاربة كالتالى : مجموعات : الداروود ، در، هوية ، دجل ورحنوين ، والأخرون  وكلها قبائل صومالية تشترك فى الثقافة والعادات والتقاليد مع وجود لهجات فى جنوب الصومال ، حاصة فى مابين النهرين . وتوجد  خصوصية معينة لقبائل بنادرى  وأهل براوى(رير باراوا)  ومجموعة "مدجان" قبيلة جابوي المنبوذة) وجماعة جرير إلى أخره بإعتبارها وحدات اخرى منفصلة عن الوحدات الحامية ذا الأعلبية فى سكان الصومال .  

وهنالك من يستخدم طريقة أخرى للتصنيف وهى توزيع كافة المجتمعات المتواجدة فى شبه جزيرة الصومال إلى وحدتين فقط هما جرير وجليع (ذوات الشعر الخشن وذوات الشعر الناعم) وبكلمات أخرى قبيلة البانتو وقبيلة غير البانتو ،) [7](، وهو تصنيف  تم تأسيسه على أساس التكوين الفيزيائى للناس أنفسهم على أنهم زنوج أو غير زنوج نسبيا. كما أن هنالك من يقسم الصومالين فقط إلى مجموعتين وهما الساب والسماليون .  غير ان هذه التقسيمات معظمها تقريبية ولم تخضع للتدقيق من قبل علماء الأنثروبولوجيا الذى من ِشأنه دراسة البشر وسلوك الإنسان والمجتمعات الماضية والحاضرة .  فالانتساب أمر هام لدى المجتمع الصومالى ولذلك تسمع عن معظم قبائل الصومالييين انه يتنمى الى الجد الفلانى والعلانى وبلزم على النشئ فى صغرهم تعلم نسبهم قبل كل شيئ  وتسلسله الى الحلقة الأخيرة التى غالبا ما تنتهى الى أل  بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .  وقد يصل الأمر إلى حد الغرابة  عندما تجد أن معظم القبائل الصومالية  ان لم تكن كلها تنتسب الى بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن الباحثين والمؤرخين يفسرون ذلك مدى حب الصوماليين للنبى  وأله. وربما ياتى نقد لاذع ممن لا تعجبهم روايات الأنتساب إلى أل البيت ليقولو أن كلها أعراف شفهية تقدس  وصول مهاجر عربي إلى مكان ما على طول شواطئ تقع في شمال  الجزيرة العربية " الصومال " ثم تزوج فتاة حامية وأنجب منها كل من يعرف اليوم بالسماليين كما تذكر الأساطير. وتلك فرضية قد لا تصمد كثيرا بأن كل من يملأ مشارق الصومال ومغاربها هم من نسل ذلك المهاجر فى حين أن الشعوب التى كانت تقطن هذه البقعة من الأرض منذ قدم الانسان لم يتفرع منها إلا قليل بالكاد يرى فى الصومال .

ومجمل القول : أن الصوماليين ينتمىون الى الحاميين الشرقيين وتحديد العنصر الكوشى  والذى يشمل أيضا كلا من المصريين القدماء والبجة والبربر والنوبييين و" الجالا " الاروموا ،  والدناكل " العفر" . والحاميون جماعة ذات أصول متحدة فى اللغة والمنبع والثقافة ،  وينتشرون على رقعة واسعة من منطقة شمال شرق افريقيا، بيد ان اقرب جماعة للصوماليين هم شعوب ارومو " الجالا " والعفر ، غير أن مايميز الصومال والعفر ان لايوجد لديهم اثار للتأثر بالملامح الزنجية ([8] ) . وعلى الرغم من وجود عناصر زنجية فى الصومال الاأن العناصر الصومالية الحامية  تختلف إختلافا بينا عن العناصر الزنجية " البانتوا أو النيلوتى " من سكان كينيا فى المعايير الجنسية  والثقافية والدينية والعادات والتقاليد حتى أجمع علماء الأجناس أن إقليم الحدود الشمالية يعتبر الخط الفاصل فى شرق افريقيا بين اللازنوج والزنوج ([9]) . وبالتالى فالصوماليون كغيرهم من الشعوب هم خليط من الأجناس ولايمكن ان نقول أن كلهم ينحدرون من أصل واحد وبناء على ذلك يمكن ان نقسمهم  الى ثلات فئات :

الفئة الأولى : البانتو : أصلهم من البانتو وجاءوا من جهة الجنوب – كينيا وتنزانيا – وهم من المزارعين الذين يسكنون حول ضفاف الأنهار([10])

الفئة الثانية : الأسيويون : وهذا الجنس من القارة الأسيوية وأكثرهم من العرب وبعضهم ايرانيون وهنود ويسكن هؤلاء المدن الساحلية.

الفئة الثالثة : الحامية : وهؤلاء من الحاميين (Hamitic). وأكثرهم رعاة أو كانوا سابقا رعاة ، وكانوا يشتركون جنسيا مع أناس فى اثيوبيا ، وكذ المصريين القدماء وأهل البربر فى شمال أفريقيا ،وهذه الشعوب – أى الجماعة الحامية – يطلق عليهم شعوب افرو أسيوية ( [11]). وينقسمون الى أربعة أقسام : مصريين قدماء ،وبربر ، وكوشيون "Kushitic" ، وساميون "Semitic" ، ويشير بعض الباحثين إلى أن الغالا ، والعفر والصومال ليست عبارة عن ثلاث قبائل ، وإنما هى عبارة عن ثلاث جماعات رئيسية كل منها يشمل مجموعة من القبائل والعشائر . وأهل الصومال من أقسام كوشتك الشرقية كوشتك و يصنفون  كضمن الشعوب الأفروأسيوية ([12]).



[1] .عبد الرحمن محمود على عيسى : الصومال جدلية الهوية بين الإنتماء العربى والأفريقى، مركز الجزيرة للدراسات انطر الرابط التالى : studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/03/160308064105546.html
[2] . إجلال رافت وأخرون ، إنفصال جنوب السوادان المخاطر والفرص ، ( المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات ، بيروت  ط الأولى 2012 ، ص39، 40.
[3] . عبد الرحمن محمود على عيسى ، مرجع سابق .
 انظر الرابط التالى : studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/03/160308064105546.html
[4] . المرجع نفسه
[5] . محمود شريف: وكيل وزارة الخارجية الصومالية سابقا
[6] : Mohamed A. Eno: The Bantu- Jareer Somalis: Unearthing Apartheid in the Horn of Africa (London : Adonis & abbey Publishers Ltd , 1 Edition , 2008) PP:38,39.
[7].  Mohamed A. Eno: Ibid P: 15.
[8] . محمد حسين معلم على : الثقافة العربية ورودها فى الصومال ( القاهرة : دار الفكر العربى ، ط  الأولى ) ص 14,13.
[10] وهذا لا ينفى وجود بانتو اصلهم من الصومال.
[12] المرجع نفسه : ص 15.